فصل: (فَصْلٌ: فِيمَا يُثْبِتُ مُوجِبَ الْقِصَاصِ وَمُوجِبَ الْمَالِ مِنْ إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فصل‏:‏ ‏[‏فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ‏]‏

المتن‏:‏

وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا وَعَامِدًا وَمُخْطِئًا وَمُتَسَبِّبًا بِقَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِدَارِ حَرْبٍ، وَذِمِّيٍّ وَجَنِينٍ وَعَبْدِ نَفْسِهِ وَنَفْسِهِ، وَفِي نَفْسِهِ وَجْهٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ ‏(‏يَجِبُ بِالْقَتْلِ‏)‏ عَمْدًا كَانَ أَوْ شِبْهَهُ أَوْ خَطَأً كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏كَفَّارَةٌ‏)‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏[‏ النِّسَاءُ ‏]‏ وقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏[‏ النِّسَاءُ ‏]‏ وَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏[‏ النِّسَاءُ ‏]‏ وَخَبَرِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ ‏{‏أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ، فَقَالَ‏:‏ أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يُعْتِقُ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ‏.‏ وَخَرَجَ بِالْقَتْلِ الْأَطْرَافُ وَالْجُرُوحُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ تَكْلِيفٌ، بَلْ تَجِبُ ‏(‏وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا‏)‏ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ فَتَجِبُ فِي مَالِهِمَا فَيُعْتِقُ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا وَلَا يَصُومُ عَنْهُمَا بِحَالٍ، فَإِنْ صَامَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ أَجْزَأَهُ، وَأَلْحَقَ الشَّيْخَانِ بِهِ الْمَجْنُونَ فِي هَذَا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ صَوْمَهُ لَا يَبْطُلُ بِطَرَيَانِ جُنُونِهِ، وَإِلَّا لَمْ تُتَصَوَّرْ الْمَسْأَلَةُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا جَازَ وَكَأَنَّهُ مَلَكَهَا ثُمَّ نَابَ عَنْهُمَا فِي الْإِعْتَاقِ، وَإِنْ كَانَ قَيِّمًا أَوْ وَصِيًّا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقْبَلَ الْقَاضِي لَهُمَا التَّمْلِيكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَقَالَا فِي بَابِ الصَّدَاقِ‏:‏ لَوْ لَزِمَ الصَّبِيَّ كَفَّارَةُ قَتْلٍ لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ وَلَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ وَإِعْتَاقَهُ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُ عَبْدِ الطِّفْلِ، وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ عِتْقُ التَّبَرُّعِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

سَكَتَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ حُكْمِ السَّفِيهِ، وَذَكَرَا فِي بَابِ الْحَجْرِ أَنَّهُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ بَلْ بِالصَّوْمِ كَالْعَبْدِ، وَقَدْ يُوهِمُ أَنَّ غَيْرَهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ كَذَلِكَ، لَكِنْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِوُجُوبِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فِي مَالِهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْحُرِّيَّةُ، بَلْ تَجِبُ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ ‏(‏عَبْدًا‏)‏ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ، لَكِنْ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ ‏(‏وَذِمِّيًّا‏)‏ لِالْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا، وَقُلْنَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ أَوَّلًا ‏(‏أَوْ ذِمِّيًّا‏)‏ وَيُتَصَوَّرُ إعْتَاقُهُ عَبْدًا مُسْلِمًا فِي صُوَرٍ‏:‏ مِنْهَا أَنْ يُسْلِمَ فِي مِلْكِهِ أَوْ يَرِثَهُ أَوْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ‏:‏ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنْ كَفَّارَتِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ إعْتَاقُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ‏:‏ لَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْخَطَأُ بَلْ تَجِبُ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ ‏(‏عَامِدًا‏)‏ لِحَدِيثِ وَاثِلَةَ الْمَارِّ أَوَّلَ الْفَصْلِ، فَإِنَّ فِيهِ فِي صَاحِبٍ لَنَا اسْتَوْجَبَ النَّارَ، وَلَا يَسْتَوْجِبُ النَّارَ إلَّا فِي الْعَمْدِ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِلْجَبْرِ وَالْعَامِدُ أَحْوَجُ إلَيْهَا، وَمِثْلُهُ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ عَامِدًا أَوْ لَا دَخَلَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الْعَمْدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ لَا يَدْخُلُهَا قِيَاسٌ ‏(‏وَ‏)‏ أَمَّا إذَا كَانَ ‏(‏مُخْطِئًا‏)‏ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَلِلْآيَةِ السَّابِقَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ شَخْصًا بِإِذْنِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ فِي بَابِ الْقِصَاصِ عَدَمَ الْوُجُوبِ لِقَوْلِهِ‏:‏ هَدَرٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الْجَلَّادُ الْقَاتِلُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ إذَا جَرَى عَلَى يَدِهِ قَتْلٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ وَهُوَ جَاهِلٌ بِهِ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْحَائِلِ؛ لِأَنَّهُ سَيْفُ الْإِمَامِ وَآلَةُ سِيَاسَتِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْمُبَاشَرَةُ بَلْ تَجِبُ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ ‏(‏مُتَسَبِّبًا‏)‏ كَالْمُكْرِهِ وَالْآمِرِ بِهِ لِمَنْ لَا يُمَيِّزُ وَشَاهِدِ الزُّورِ، وَحَافِرِ بِئْرٍ عُدْوَانًا وَلَوْ حَصَلَ التَّرَدِّي بَعْدَ مَوْتِ الْحَافِرِ الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْقَاتِلِ يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ فَشَمِلَتْهُمَا الْآيَةُ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الشَّرْطُ كَالسَّبَبِ وَإِنْ حُمِلَ قَوْلُهُ‏:‏ مُتَسَبِّبًا عَلَى الْأَعَمِّ دَخَلَ الشَّرْطُ فِي عِبَارَتِهِ، وَتَقَدَّمَ أَوَائِلَ كِتَابِ الْجِرَاحِ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَالْمُبَاشَرَةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ ‏(‏بِقَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏بِدَارِ حَرْبٍ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَلَا الدِّيَةُ لِلْآيَةِ الثَّانِيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَقَدْ مَرَّ فِيهَا أَنَّ ‏{‏مِنْ قَوْمٍ‏}‏ بِمَعْنَى فِي قَوْمٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ تَبَعًا لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَلِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَا تُهْدِرُ دَمَهُ، وَسَبَبُ الْعِصْمَةِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ قَائِمٌ، وَسَوَاءٌ ظُنَّ كُفْرُهُ أَوْ تَتَرَّسَ بِهِ الْعَدُوُّ أَمْ لَا ‏(‏وَ‏)‏ بِقَتْلِ ‏(‏ذِمِّيٍّ‏)‏ وَمُسْتَأْمِنٍ لِلْآيَةِ الْأَخِيرَةِ، فَإِنَّ الذِّمَّةَ وَالْعَهْدَ مِنْ الْمَوَاثِيقِ ‏(‏وَ‏)‏ بِقَتْلِ ‏(‏جَنِينٍ‏)‏ مَضْمُونٍ بِالْغُرَّةِ أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ، وَبِذَلِكَ قَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏(‏وَ‏)‏ بِقَتْلِ ‏(‏عَبْدِ نَفْسِهِ‏)‏ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ لَا تَجِبُ فِيهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَتْ لَهُ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا وَجَبَتْ فِي عَبْدِ نَفْسِهِ فَفِي عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْلَى ‏(‏وَ‏)‏ بِقَتْلِ ‏(‏نَفْسِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً فَتَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَتَخْرُجُ مِنْ تَرِكَتِهِ‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ نَفْسُهُ مَعْصُومَةً بِأَنْ كَانَتْ مُهْدَرَةً فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ لَا تَجِبَ الْكَفَّارَةُ ‏(‏وَفِي‏)‏ قَتْلِ ‏(‏نَفْسِهِ وَجْهٌ‏)‏ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا الْكَفَّارَةُ كَمَا لَا يَجِبُ ضَمَانُهَا بِالْمَالِ‏.‏

المتن‏:‏

لَا امْرَأَةٍ، وَصَبِيٍّ حَرْبِيَّيْنِ وَبَاغٍ وَصَائِلٍ وَمُقْتَصٍّ مِنْهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ ‏(‏امْرَأَةٍ، وَ‏)‏ لَا بِقَتْلِ ‏(‏صَبِيٍّ حَرْبِيَّيْنِ‏)‏ وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ قَتْلُهُمَا لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِهِمَا لَيْسَ لِحُرْمَتِهِمَا بَلْ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا يَفُوتَهُمْ الِارْتِفَاقُ بِهِمَا ‏(‏وَ‏)‏ لَا بِقَتْلِ مُبَاحِ الدَّمِ كَقَتْلِ ‏(‏بَاغٍ وَصَائِلٍ‏)‏ لِأَنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ فَأَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ وَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ‏:‏ مُحْصَنٍ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُسَاوِي وَحَرْبِيٍّ وَلَوْ قَتَلَهُ مِثْلُهُ ‏(‏وَمُقْتَصٍّ مِنْهُ‏)‏ بِقَتْلِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَتَلَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِبَعْضِهِ كَأَنْ انْفَرَدَ بَعْضُ الْأَوْلَادِ بِقَتْلِ قَاتِلِ أَبِيهِمْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ‏.‏ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْمُتَّجَهُ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي عِنْدَ إذْنِ الْبَاقِينَ، وَكَلَامَ ابْنِ الرِّفْعَةِ عِنْدَ عَدَمِهِ، فَإِنْ قَتَلَهُ مَنْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُ فِي قَتْلِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ‏.‏

المتن‏:‏

وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ كَفَّارَةٌ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ‏)‏ فِي الْقَتْلِ ‏(‏كَفَّارَةٌ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ فَلَا يَتَبَعَّضُ كَالْقِصَاصِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ هَلَّا تَبَعَّضَتْ كَالدِّيَةِ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عَنْ النَّفْسِ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَالْكَفَّارَةُ لِتَكْفِيرِ الْقَتْلِ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ قَاتِلٌ، وَلِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَالْعِبَادَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَى الْجَمَاعَةِ لَا تَتَبَعَّضُ، وَالثَّانِي عَلَى الْجَمِيعِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَقَتْلِ الصَّيْدِ‏.‏

المتن‏:‏

وَهِيَ كَظِهَارٍ لَكِنْ لَا إطْعَامَ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ ‏(‏كَظِهَارٍ‏)‏ أَيْ كَصِفَةِ كَفَّارَتِهِ فِي التَّرْتِيبِ فَيُعْتِقُ أَوَّلًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِلْآيَةِ ‏(‏لَكِنْ لَا إطْعَامَ‏)‏ فِيهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الصَّوْمِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ اقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ فِيهَا، إذْ الْمُتَّبَعُ فِي الْكَفَّارَاتِ النَّصُّ لَا الْقِيَاسُ، وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ غَيْرَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَمْ لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الظِّهَارِ كَمَا فَعَلُوا فِي قَيْدِ الْأَيْمَانِ حَيْثُ اُعْتُبِرُوهُ ثَمَّ حَمْلًا عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَاكَ إلْحَاقٌ فِي وَصْفٍ، وَهَذَا إلْحَاقٌ فِي أَصْلٍ، وَأَحَدُ الْأَصْلَيْنِ لَا يُلْحَقُ بِالْآخَرِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْيَدَ الْمُطْلَقَةَ فِي التَّيَمُّمِ حُمِلَتْ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَمْ يُحْمَلُ إهْمَالُ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى ذِكْرِهِمَا فِي الْوُضُوءِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ الصَّوْمِ أَطْعَمَ مِنْ تَرِكَتِهِ كَفَائِتِ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَالثَّانِي يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا كَالظِّهَارِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْقَوْلُ فِي صِفَةِ الرَّقَبَةِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَةِ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَصَابَ غَيْرَهُ بِالْعَيْنِ وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَقًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا، وَلَا يُعَدُّ مُهْلِكًا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا‏.‏

كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ

المتن‏:‏

يُشْتَرَطُ أَنْ يُفَصِّلَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ عَمْدٍ وَخَطَإٍ وَانْفِرَادٍ وَشِرْكَةٍ، فَإِنْ أَطْلَقَ اسْتَفْصَلَهُ الْقَاضِي وَقِيلَ يُعْرِضُ عَنْهُ وَأَنْ يُعَيِّنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ قَتَلَهُ أَحَدُهُمْ لَا يُحَلِّفُهُمْ الْقَاضِي فِي الْأَصَحِّ، وَيَجْرِيَانِ فِي دَعْوَى غَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ، وَإِنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ مُكَلَّفٍ مُلْتَزِمٍ عَلَى مِثْلِهِ، وَلَوْ ادَّعَى انْفِرَادَهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ لَمْ تُسْمَعْ الثَّانِيَةُ، أَوْ عَمْدًا وَوَصَفَهُ بِغَيْرِهِ، لَمْ يَبْطُلْ أَصْلُ الدَّعْوَى فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ أَيْ الْقَتْلِ، وَعَبَّرَ بِهِ لِلُزُومِهِ لَهُ غَالِبًا ‏(‏وَالْقَسَامَةِ‏)‏ وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ‏:‏ اسْمٌ لِلْأَيْمَانِ الَّتِي تُقَسَّمُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الدَّمِ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْقَسَمِ، وَهُوَ الْيَمِينُ، وَقِيلَ اسْمٌ لِلْأَوْلِيَاءِ وَذُكِرَ فِي الْبَابِ أَيْضًا الشَّهَادَةُ عَلَى الدَّمِ، وَاسْتُغْنِيَ عَنْ التَّرْجَمَةِ لَهَا لِأَنَّ الدَّعْوَى بِالدَّمِ تَسْتَتْبِعُ الشَّهَادَةَ، وَاسْتَفْتَحَ الْبَابَ فِي الْمُحَرَّرِ بِحَدِيثِ ‏{‏الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ‏}‏، وَفِي إسْنَادِهِ لِينٌ، وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهَا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَقَرَّهَا الشَّارِعُ فِي الْإِسْلَامِ، ‏(‏يُشْتَرَطُ‏)‏ لِكُلِّ دَعْوَى بِدَمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَغَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ‏.‏ سِتَّةُ شُرُوطٍ‏:‏ أَحَدُهَا ‏(‏أَنْ‏)‏ تَكُونَ مَعْلُومَةً غَالِبًا بِأَنْ ‏(‏يُفَصِّلَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ عَمْدٍ وَخَطَإٍ‏)‏ وَشِبْهِ عَمْدٍ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏انْفِرَادٍ وَشِرْكَةٍ‏)‏ وَعَدَدُ الشُّرَكَاءِ فِي قَتْلٍ يُوجِبُ الدِّيَةَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ بِذَلِكَ‏.‏ نَعَمْ إنْ قَالَ‏:‏ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَزِيدُونَ عَلَى عَشَرَةٍ مَثَلًا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَطَالَبَ بِحِصَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا طَالَبَهُ بِعُشْرِ الدِّيَةِ، فَإِنْ أُوجِبَ الْقَوَدُ لَمْ يَجِبْ فِي الْأَصَحِّ بَيَانُ عَدَدِ الشُّرَكَاءِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ يُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ التَّفْصِيلِ السِّحْرُ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَى سَاحِرٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ مَثَلًا بِسِحْرِهِ لَمْ يُفَصِّلْ فِي الدَّعْوَى بَلْ يُسْأَلُ السَّاحِرُ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى بَيَانِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ إطْلَاقُ غَيْرِهِ يُخَالِفُهُ ‏(‏فَإِنْ أَطْلَقَ‏)‏ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ كَقَوْلِهِ‏:‏ هَذَا قَتَلَ أَبِي ‏(‏اسْتَفْصَلَهُ الْقَاضِي‏)‏ نَدْبًا عَمَّا ذُكِرَ لِيَصِحَّ بِتَفْصِيلِهِ دَعْوَاهُ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْوُجُوبَ فَيَقُولُ لَهُ‏:‏ كَيْفَ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ‏؟‏ فَإِنْ عَيَّنَ نَوْعًا مِنْهَا سَأَلَ عَنْ صِفَتِهِ لِأَنَّهُ نَطَقَ عَنْ صِفَتِهِ الْعَمْدَ مَحْضًا ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ لَا يَسْتَفْصِلُ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ بَلْ ‏(‏يُعْرِضُ عَنْهُ‏)‏ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ التَّلْقِينِ، وَمَنْعُ الْأَوَّلِ كَوْنُهُ تَلْقِينًا بَلْ التَّلْقِينُ أَنْ يَقُولَ لَهُ‏:‏ قُلْ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ‏.‏ وَثَانِيهَا أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى هِبَةِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ إقْرَارِهِ بِهِ حَتَّى يَقُولَ الْمُدَّعِي‏:‏ وَقَبَضْتُهُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَوْ الْمُقِرَّ التَّسْلِيمُ إلَيَّ ‏(‏وَ‏)‏‏.‏ ثَالِثُهَا ‏(‏أَنْ يُعَيِّنَ‏)‏ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ ‏(‏الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏)‏ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمْعًا مُعَيَّنًا كَثَلَاثَةٍ حَاضِرِينَ ‏(‏فَلَوْ قَالَ قَتَلَهُ أَحَدُهُمْ‏)‏ فَأَنْكَرُوا وَطَلَبَ تَحْلِيفَهُمْ ‏(‏لَا يُحَلِّفُهُمْ الْقَاضِي فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِلْإِبْهَامِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى أَحَدِ رَجُلَيْنِ‏.‏ وَالثَّانِي يُحَلِّفُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي مُسْقِطَاتِ اللَّوْثِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ وَهُوَ خِلَافُ الصَّحِيحِ، فَقَدْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ‏:‏ قَتَلَهُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي تَحْلِيفَ وَاحِدٍ لَمْ يُجِبْهُ لِلْإِبْهَامِ، وَسَبَبُ مَا وَقَعَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ هُنَا أَنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْوَجِيزِ ذَكَرَهُ هُنَا كَذَلِكَ، وَهُوَ مِمَّنْ يُصَحِّحُ سَمَاعَ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ نَقَلَهُ ذَاهِلًا عَمَّا مَرَّ ا هـ‏.‏

وَجَمَعَ شَيْخِي بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ بِأَنَّ مَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ عَدَمِ اللَّوْثِ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَمَا فِي مُسْقِطَاتِ اللَّوْثِ عِنْدَ وُجُوبِ اللَّوْثِ، وَعَلَى هَذَا فَإِنْ نَكَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ الْيَمِينِ فَذَلِكَ لَوْثٌ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ الْقَاتِلُ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُقْسِمَ عَلَيْهِ، فَلَوْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ قَالَ عَرَفْتُهُ فَلَهُ تَعْيِينُهُ وَيُقْسِمُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّوْثَ حَاصِلُ فِي حَقِّهِمْ جَمِيعًا، وَقَدْ يَظْهَرُ لَهُ بَعْدَ الِاشْتِبَاهِ أَنَّ الْقَاتِلَ هُوَ الَّذِي عَيَّنَهُ، وَلَا يَخْتَصُّ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ بِدَعْوَى الدَّمِ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏يَجْرِيَانِ فِي دَعْوَى غَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ‏)‏ وَنَحْوِهَا، إذْ السَّبَبُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ فِيهِ اخْتِيَارُهُ وَالْمُبَاشِرُ لَهُ يَقْصِدُ الْكِتْمَانَ فَأَشْبَهَ الدَّمَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ضَابِطُ مَحَلِّ الْخِلَافِ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الدَّعْوَى يَنْفَرِدُ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُجْهَلُ تَعْيِينُهُ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَنْشَأُ بِاخْتِيَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَشَأْنُهَا أَنْ يَضْبِطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ نَشَأَتْ الدَّعْوَى عَنْ مُعَامَلَةِ وَكِيلِهِ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ وَمَاتَا أَوْ صَدَرَتْ عَنْ مُوَرِّثِهِ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ اُحْتُمِلَ إجْرَاءُ الْخِلَافِ لِلْمَعْنَى، وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَجْرِيَ، لِأَنَّ أَصْلَهَا مَعْلُومٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ا هـ‏.‏

وَإِجْرَاءُ الْخِلَافِ أَوْجَهُ ‏(‏وَ‏)‏‏.‏ رَابِعُهَا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ ‏(‏إنَّمَا تُسْمَعُ‏)‏ الدَّعْوَى ‏(‏مِنْ مُكَلَّفٍ‏)‏ أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ حَالَةَ الدَّعْوَى، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ، لَا يَضُرُّ كَوْنُهُ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ أَجْنَبِيًّا حَالَةَ الْقَتْلِ إذَا كَانَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ عِنْدَ الدَّعْوَى، لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ الْحَالَ بِالتَّسَامُعِ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ فِي مَظِنَّةِ الْحَلِفِ إذَا عُرِفَ مَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْجَانِي أَوْ سَمَاعِ كَلَامِ مَنْ يَثِقُ بِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا وَقَبَضَهَا فَادَّعَى رَجُلٌ مِلْكَهَا فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ اشْتِرَاطُهُ التَّكْلِيفَ أَنَّ السَّكْرَانَ الْمُتَعَدِّيَ بِسُكْرِهِ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَإِلَّا لَاسْتَثْنَاهُ كَمَا اسْتَثْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ‏.‏ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ سَكَتَ عَنْهُ هُنَا لِمَا عُلِمَ مِنْ هُنَاكَ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُدَّعِي الرُّشْدُ فَتَصِحُّ دَعْوَى السَّفِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، لَكِنْ لَا يَقُولُ فِي الدَّعْوَى‏:‏ وَأَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَ ذَلِكَ، بَلْ يَقُولُ تَسْلِيمُهُ إلَى وَلِيٍّ ‏(‏مُلْتَزِمٍ‏)‏ فَلَا تُسْمَعُ مِنْ حَرْبِيٍّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ قِصَاصًا وَلَا غَيْرَهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ أَنَّ دَعْوَى الْحَرْبِيِّ لَا تُسْمَعُ ذُهُولٌ عَنْ قَوَاعِدَ مَذْكُورَةٍ فِي السِّيَرِ، فَقَدْ نَصُّوا هُنَاكَ عَلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِأَمَانٍ وَأَوْدَعَ عِنْدَنَا مَالًا ثُمَّ عَادَ لِلِاسْتِيطَانِ لَمْ يُنْقَضْ الْأَمَانُ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَذَكَرَ مَسَائِلَ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ إنَّ الصَّوَابَ حَذْفُ قَيْدِ الِالْتِزَامِ‏.‏ وَيُجَابُ عَنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ وَمَا فِي السِّيَرِ فِي حَرْبِيٍّ لَهُ أَمَانٌ، فَلَا مُخَالَفَةَ، وَعَنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُلْتَزِمِ مَنْ لَهُ أَمَانٌ فَيَدْخُلُ الْمُعَاهِدُ فَإِنَّهُ لَا تَوَقُّفَ فِي سَمَاعِ دَعْوَاهُ بِمَالِهِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ مِثْلِهِ، وَلَا فِي دَعْوَاهُ دَمَ مُوَرِّثِهِ الذِّمِّيِّ أَوْ الْمُسْتَأْمَنِ‏.‏ وَخَامِسُهَا أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى ‏(‏عَلَى‏)‏ مُدَّعًى عَلَيْهِ ‏(‏مِثْلِهِ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِي فِي كَوْنِهِ مُكَلَّفًا فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، بَلْ إنْ تَوَجَّهَ عَلَى الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ حَقٌّ مَالِيٌّ ادَّعَى مُسْتَحِقُّهُ عَلَى وَلِيِّهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيٌّ حَاضِرٌ فَالدَّعْوَى عَلَيْهِمَا كَالدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ فَلَا تُسْمَعُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ وَيُحْتَاجُ مَعَهَا إلَى يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَمَا هُنَا مَحَلُّهُ عِنْدَ حُضُورِ وَلِيِّهِمَا، وَمَا هُنَاكَ عِنْدَ غَيْبَتِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

دَخَلَ فِي الْمُكَلَّفِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ وَالْفَلَسِ وَالرِّقِّ، فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ فِيمَا يَصِحُّ إقْرَارُهُمْ بِهِ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ بِالْقَتْلِ، ثُمَّ إنْ كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ سُمِعَتْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ عَمْدًا أَمْ خَطَأً أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ فَإِنْ ادَّعَى مَا يُوجِبُ الْقِصَاصُ سُمِعَتْ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ مَقْبُولٌ، وَكَذَلِكَ حَدُّ الْقَذْفِ، فَإِنْ أَقَرَّ أَمْضَى حُكْمَهُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاقْتَصَدَ وَإِنْ ادَّعَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ لَمْ تُسْمَعْ، إذْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالْإِتْلَافِ وَتُسْمَعُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ رِقٍّ فِيمَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِيهِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيرُ ذَلِكَ فِي الدَّعَاوَى، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُلْتَزِمًا فَلَيْسَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا تَعَرُّضٌ لَهُ، وَإِنَّمَا فِيهَا اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ خَاصَّةً، لَكِنْ إذَا شَرَطَ الِالْتِزَامَ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْلَى، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ هُنَا أَيْضًا كَمَا سَبَقَ انْتَهَى‏.‏ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا مَرَّ فَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ‏.‏ وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمُدَّعَى بِهِ لِإِتْلَافِهِ فِي حَالِ حِرَابَتِهِ لَمْ يُسْمَعْ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ فِي حَالِ الْتِزَامِهِ سُمِعَتْ، وَهُوَ إذْ ذَاكَ لَيْسَ بِحَرْبِيٍّ ‏(‏وَ‏)‏‏.‏ سَادِسُهَا أَنْ لَا تَتَنَاقَضَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَحِينَئِذٍ ‏(‏لَوْ ادَّعَى‏)‏ عَلَى شَخْصٍ ‏(‏انْفِرَادَهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ‏)‏ أَنَّهُ شَرِيكُهُ أَوْ مُنْفَرِدٌ ‏(‏لَمْ تُسْمَعْ‏)‏ الدَّعْوَى ‏(‏الثَّانِيَةُ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الْأُولَى وَمُنَاقَضَتِهَا، وَسَوَاءٌ أَقْسَمَ عَلَى الْأُولَى وَمَضَى الْحُكْمُ فِيهِ أَمْ لَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ بَقَاءَ الدَّعْوَى الْأُولَى بِحَالِهَا وَفِيهَا تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِأَنَّ الثَّانِيَة تُكَذِّبُهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ مُكِّنَ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ، وَمَحَلُّ عَدَمِ سَمَاعِ الثَّانِيَة مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الثَّانِي، فَإِنْ صَدَّقَهُ فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا ‏(‏أَوْ‏)‏ ادَّعَى ‏(‏عَمْدًا وَوَصَفَهُ بِغَيْرِهِ‏)‏ مِنْ خَطَإٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ وَعَكْسُهُ بَطَلَ الْوَصْفُ فَقَطْ، وَ ‏(‏لَمْ يَبْطُلْ أَصْلُ الدَّعْوَى‏)‏ وَهُوَ دَعْوَى الْقَتْلِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِعَمْدٍ عَمْدًا وَعَكْسَهُ وَحِينَئِذٍ يُعْتَمَدُ تَفْسِيرُهُ وَيَمْضِي حُكْمُهُ‏.‏ وَالثَّانِي يَبْطُلُ لِأَنَّ فِي دَعْوَى الْعَمْدِ اعْتِرَافًا بِبَرَاءَةِ الْعَاقِلَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ عَلَى الْأَوَّلِ عَدَمُ احْتِيَاجِهِ إلَى تَجْدِيدِ دَعْوَى، لَكِنْ جَزَمَ بِتَجْدِيدِهَا ابْنُ دَاوُد فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ‏.‏

المتن‏:‏

وَتَثْبُتُ الْقَسَامَةُ، فِي الْقَتْلِ بِمَحَلِّ لَوْثٍ، وَهُوَ قَرِينَةٌ لِصِدْقِ الْمُدَّعِي بِأَنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لِأَعْدَائِهِ، أَوْ تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمْعٌ، وَلَوْ تَقَابَلَ صَفَّانِ لِقِتَالٍ وَانْكَشَفُوا عَنْ قَتِيلٍ، فَإِنْ الْتَحَمَ قِتَالٌ فَلَوْثٌ فِي حَقِّ الصَّفِّ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَفِي حَقِّ صَفِّهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شُرُوطِ دَعْوَى الدَّمِ شَرَعَ فِي الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْقَسَامَةُ مُعَرِّضًا لِمَحَلِّهَا فَقَالَ ‏(‏وَتَثْبُتُ الْقَسَامَةُ‏)‏ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهَا ‏(‏فِي الْقَتْلِ‏)‏ لِلنَّفْسِ لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ جُرْحٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْقَتْلِ ‏(‏بِمَحَلِّ‏)‏ أَيْ مَكَانِ ‏(‏لَوْثٍ‏)‏ بِالْمُثَلَّثَةِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ اللَّوْثُ لُغَةً الْقُوَّةُ، وَيُقَالُ الضَّعْفُ، يُقَالُ لَاثَ فِي كَلَامِهِ‏:‏ أَيْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ ضَعِيفٍ، وَاصْطِلَاحًا ‏(‏قَرِينَةٌ‏)‏ حَالِيَّةٌ أَوْ مَقَالِيَّةٌ ‏(‏لِصِدْقِ‏)‏ أَيْ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ ‏(‏الْمُدَّعِي‏)‏ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ، وَفَسَّرَ الْقَرِينَةَ بِقَوْلِهِ ‏(‏بِأَنْ‏)‏ أَيْ كَأَنْ ‏(‏وُجِدَ قَتِيلٌ‏)‏ أَوْ بَعْضُهُ كَرَأْسِهِ إذَا تَحَقَّقَ مَوْتُهُ ‏(‏فِي مَحَلَّةٍ‏)‏ مُنْفَصِلَةٍ تِلْكَ الْمَحَلَّةُ عَنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَلَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ، وَلَا بَيِّنَةَ بِقَتْلِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لِأَعْدَائِهِ‏)‏ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ إذَا كَانَتْ تَبْعَثُ عَلَى الِانْتِقَامِ بِالْقَتْلِ وَلَمْ يُسَاكِنْهُمْ فِي الْقَرْيَةِ غَيْرُهُمْ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْغَيْرَ قَتَلَهُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُخَالِطَهُمْ غَيْرُهُمْ حَتَّى لَوْ وَكَانَتْ الْقَرْيَةُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَكَانَ يَطْرُقُهَا الْمُسَافِرُونَ وَالْمُجْتَازُونَ فَلَا لَوْثَ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ‏؟‏‏.‏ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ الثَّانِي، لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ حَكَى الْأَوَّلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ، وَالْمُرَادُ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ بِغَيْرِهِمْ مَنْ لَمْ تُعْلَمْ صَدَاقَتُهُ لِلْقَتِيلِ، وَلَا كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَعْدَائِهِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ عَدَاوَتِهِمْ لِلْقَتِيلِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونُوا أَعْدَاءً لِقَبِيلَتِهِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ انْفَرَدَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَوْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُهَا غَيْرُهُمْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعَدَاوَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي زَوَائِدِهِ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالْمَوْجُودُ بِقُرْبِ الْقَرْيَةِ كَمَنْ هُوَ فِيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عِمَارَةٌ أُخْرَى، وَلَا مَنْ يُقِيمُ بِالصَّحْرَاءِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَيُشْبِهُ اشْتِرَاطَ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ طَرِيقٌ جَادَّةٌ كَثِيرَةُ الطَّارِقِينَ، وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ وَلَمْ يُعْرَفْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إحْدَاهُمَا عَدَاوَةٌ لَمْ نَجْعَلْ قُرْبَهُ إحْدَاهُمَا لَوْثًا كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَلَوْ وُجِدَ بَعْضُ قَتِيلٍ فِي مَحَلَّةِ أَعْدَائِهِ وَبَعْضُهُ فِي أُخْرَى لِأَعْدَاءٍ لَهُ آخَرِينَ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُعَيِّنَ وَيُقَسِّمَ وَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِمَا وَيُقَسِّمَ ‏(‏أَوْ‏)‏ وُجِدَ قَتْلٌ ‏(‏تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمْعٌ‏)‏ كَأَنْ ازْدَحَمُوا عَلَى بِئْرٍ أَوْ بَابِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ لِقُوَّةِ الظَّنِّ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ هُنَا كَوْنُهُمْ أَعْدَاءً، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا مَحْصُورِينَ بِحَيْثُ يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْقَتِيلِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى وَلَمْ يُقَسِّمْ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَى عَدَدٍ مِنْهُمْ يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْقَتِيلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ تُسْمَعَ، وَيُمَكَّنُ مِنْ الْقَسَامَةِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَقَدْ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ بِمُقْتَضَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ‏.‏ ثُمَّ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ‏:‏ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يُخَالِطَهُمْ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا أَبْرَأَ الْبَعْضَ خَالَطُوهُمْ ا هـ‏.‏

وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ‏.‏ وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ فَلَا تَضُرُّ الْمُخَالَطَةُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يُشْتَرَطُ فِي اللَّوْثِ وَالْقَسَامَةِ ظُهُورُ دَمٍ وَلَا جُرْحٍ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَحْصُلُ بِالْخَنْقِ وَعَصْرِ الْبَيْضَةِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِذَا ظَهَرَ أَثَرُهُ قَامَ مَقَامَ الدَّمِ، فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ أَثَرٌ أَصْلًا فَلَا قَسَامَةَ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّ الْمَذْهَبَ الْمَنْصُوصَ، وَقَوْلَ الْجُمْهُورِ ثُبُوتُ الْقَسَامَةِ ‏(‏وَلَوْ تَقَابَلَ صَفَّانِ لِقِتَالٍ‏)‏ وَاقْتَتَلُوا ‏(‏وَانْكَشَفُوا عَنْ قَتِيلٍ‏)‏ مِنْ أَحَدِهِمَا طَرِيٍّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ‏(‏فَإِنْ الْتَحَمَ‏)‏ أَيْ اخْتَلَطَ ‏(‏قِتَالٌ‏)‏ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ أَوْ لَمْ يَلْتَحِمْ وَلَكِنْ وَصَلَ سِلَاحُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ عَلَى الْآخَرِ كَمَا قَالَهُ الْفَارِقِيُّ ‏(‏فَلَوْثٌ فِي حَقِّ‏)‏ أَهْلِ ‏(‏الصَّفِّ الْآخَرِ‏)‏ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ أَهْلَ صَفِّهِ لَا يَقْتُلُونَهُ سَوَاءٌ أَوُجِدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَمْ فِي صَفِّ نَفْسِهِ أَمْ فِي صَفِّ خَصْمِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَلْتَحِمْ قِتَالٌ، وَلَا وَصَلَ سِلَاحُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ ‏(‏فَ‏)‏ لَوْثٌ ‏(‏فِي حَقِّ‏)‏ أَهْلِ ‏(‏صَفِّهِ‏)‏ أَيْ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَشَهَادَةُ الْعَدْلِ لَوْثٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَشَهَادَةُ الْعَدْلِ‏)‏ الْوَاحِدِ ‏(‏لَوْثٌ‏)‏ لَحُصُولِ الظَّنِّ بِصِدْقِهِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ وَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ فَقَدْ يُظَنُّ مَا لَيْسَ بِلَوْثٍ لَوْثًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِ اعْتِبَارُ صِيغَةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ حَاكِمٍ بَعْدَ دَعْوَى وَلَيْسَ مُرَادًا، فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى الدَّعْوَى أَمْ تَأَخَّرَتْ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا وَقَالَ فِي لَفْظِ الْوَجِيزِ إشْعَارٌ بِهِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ إنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَتِهِ الْبَيَانُ فَقَدْ يُظَنُّ مَا لَيْسَ بِلُوثٍ لَوْثًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا تَكُونُ شَهَادَةُ الْعَدْلِ لَوْثًا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ، فَإِنْ كَانَ فِي خَطَإٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ لَمْ يَكُنْ لَوْثًا بَلْ يَحْلِفُ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا لَا يُوجِبُ قِصَاصًا كَقَتْلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ قَتْلِ الْخَطَإِ فِي أَصْلِ الْمَالِ لَا فِي صِفَتِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَكَذَا عَبِيدٌ أَوْ نِسَاءٌ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَفَرُّقُهُمْ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَكَذَا عَبِيدٌ أَوْ نِسَاءٌ‏)‏ أَيْ شَهَادَتُهُمْ لَوْثٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْبِيرُهُ بِالْجَمْعِ يُخْرِجُ الِاثْنَيْنِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّ الَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّ شَهَادَةَ عَبْدَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ الْجَمْعِ، بَلْ فِي الْوَجِيزِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوْثٌ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْحَاوِي الصَّغِيرُ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَسَوَاءٌ فِي شَهَادَةِ مَنْ ذُكِرَ جَاءُوا مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ ‏(‏وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَفَرُّقُهُمْ‏)‏ لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ التَّوَاطُؤِ كَاحْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي شَهَادَةِ الْوَاحِدَةِ، وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ فِي شَهَادَتِهِمْ إذَا جَاءُوا دَفْعَةً‏.‏ وَجْهَيْنِ، أَشْهَرُهُمَا الْمَنْعُ، وَأَقْوَاهُمَا أَنَّهُ لَوْثٌ، وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الْأَصَحِّ بَدَلَ الْأَقْوَى، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا شَرَطْنَا التَّعَدُّدَ فَإِنْ لَمْ نَشْرِطْهُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِمْ مُتَفَرِّقِينَ وَمُجْتَمِعِينَ، هَذَا فِيمَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ‏.‏ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ جَمْعٍ كَمَا قَالَ‏.‏

المتن‏:‏

وَقَوْلُ فَسَقَةٍ وَصِبْيَانٍ وَكُفَّارٍ لَوْثٌ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَقَوْلُ‏)‏ أَيْ إخْبَارُ ‏(‏فَسَقَةٍ وَصِبْيَانٍ وَكُفَّارٍ لَوْثٌ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ اتِّفَاقَ الْجَمْعِ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ الشَّيْءِ كَيْفَ كَانَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ حَقِيقَةٍ‏.‏ وَالثَّانِي الْمَنْعُ، إذْ لَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِمْ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ‏.‏ وَالثَّالِثُ خَصَّ الْمَنْعَ بِالْكُفَّارِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا فَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ بَيْنَ أَنْ يُخْبِرُوا مُجْتَمَعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ، وَيُشْتَرَطُ فِي إخْبَارِهِمْ الْبَيَانُ كَمَا مَرَّ‏.‏ وَمِنْ اللَّوْثِ لَهَجُ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ بِأَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ، أَوْ رُئِيَ فِي مَوْضِعِهِ رَجُلٌ يُحَرِّكُ مِنْ بَعْدِهِ يَدَهُ كَضَارِبٍ بِسَيْفٍ، أَوْ وُجِدَ عِنْدَهُ رَجُلٌ سِلَاحُهُ مُلَطَّخٌ بِدَمٍ، أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَثَرُهُ مَا لَمْ يَكُنْ قَرِينَةٌ تُعَارِضُهُ كَأَنْ وُجِدَ بِقُرْبِهِ سَبُعٌ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ مُوَلٍّ ظَهْرَهُ أَوْ غَيْرَ مُوَلٍّ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ، فَلَا يَكُونُ لَوْثًا فِي حَقِّهِ، وَمِنْهُ إخْبَارُ عَدْلٍ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ أَحَدُ هَذَيْنِ، فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدَهُمَا وَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْبَرَ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ فَلَا يَكُونُ لَوْثًا لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ صُدِّقَ وَلِيُّ أَحَدِهِمَا‏.‏ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَلِيُّهُمَا وَاحِدًا كَانَ لَوْثًا‏:‏ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَيُقَوِّي مَا قَالَهُ مَا لَوْ كَانَتْ دِيَتُهَا مُتَسَاوِيَةً‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَيُؤَيِّدُهُ مَا لَوْ عَجَزَ الشُّهُودُ عَنْ تَعْيِينِ الْمُوضِحَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَحَلِّهَا وَقَدْرِهَا، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ، وَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ زَيْدٍ وَلَمْ يُعَيِّنَا، وَكَانَ زَيْدٌ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ فَإِنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لَا الْقِصَاصُ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ كَانَ مَقْطُوعَ وَاحِدَةٍ نَزَلَ عَلَى الْمَقْطُوعَةِ كَمَا صَوَّبَ الْمُصَنِّفُ الْجَزْمَ بِهِ‏.‏ وَقَوْلُ الْمَجْرُوحِ‏:‏ جَرَحَنِي فُلَانٌ، أَوْ قَتَلَنِي، أَوْ دَمِي عِنْدَهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَوْثٍ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فَلَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ‏:‏ وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ فَيَقْصِدُ إهْلَاكَهُ‏.‏ ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ فَقَالَ أَحَدُ ابْنَيْهِ‏:‏ قَتَلَهُ فُلَانٌ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ بَطَلَ اللَّوْثُ، وَفِي قَوْلٍ لَا وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ فَاسِقٍ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ قَتَلَهُ زَيْدٌ وَمَجْهُولٌ، وَقَالَ الْآخَرُ عَمْرٌو وَمَجْهُولٌ حَلَفَ كُلٌّ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ وَلَهُ رُبُعُ الدِّيَةِ، وَلَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اللَّوْثَ فِي حَقِّهِ فَقَالَ لَمْ أَكُنْ مَعَ الْمُتَفَرِّقِينَ عَنْهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ بِأَصْلِ قَتْلٍ دُونَ عَمْدٍ وَخَطَإٍ فَلَا قَسَامَةَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يُقْسَمُ فِي طَرَفٍ وَإِتْلَافِ مَالٍ إلَّا فِي عَبْدٍ فِي الْأَظْهَرِ

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي مُسْقِطَاتِ اللَّوْثِ، وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ ذَكَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أُمُورٍ‏.‏ الْأَوَّلُ تَكَاذُبُ الْوَرَثَةِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ‏)‏ فِي قَتِيلٍ ‏(‏فَقَالَ أَحَدُ ابْنَيْهِ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏قَتَلَهُ فُلَانٌ‏)‏ وَظَهَرَ عَلَيْهِ لَوْثٌ ‏(‏وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ‏)‏ فَقَالَ لَمْ يَقْتُلْهُ ‏(‏بَطَلَ اللَّوْثُ‏)‏ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَرَى الْعَادَةَ بِحِرْصِ الْقَرِيبِ عَلَى التَّشَفِّي مِنْ قَاتِلِ قَرِيبِهِ وَأَنَّهُ لَا يُبَرِّئُهُ فَعَارَضَ هَذَا اللَّوْثَ فَسَقَطَا، فَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي لِانْخِرَامِ ظَنِّ الْقَتْلِ بِالتَّكْذِيبِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ وَارِثَيْنِ دَيْنًا لِلْمُوَرِّثِ وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدًا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ، حَيْثُ لَا يَمْنَعُ تَكْذِيبُهُ حَلِفَ الْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِدِ بِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ حُجَّةٌ فِي نَفْسِهَا وَهِيَ مُحَقَّقَةٌ، وَإِنْ كَذَّبَ الْآخَرُ وَاللَّوْثُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُثِيرٌ لِلظَّنِّ فَيَبْطُلُ بِالتَّكْذِيبِ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ اللَّوْثُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فِي خَطَإٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ‏.‏ وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ بِتَكْذِيبِ أَحَدِهِمَا قَطْعًا، وَفِيهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ، فَقَدْ مَرَّ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلِ إنَّمَا تَكُونُ لَوْثًا فِي قَتْلِ الْعَمْدِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ لَا‏)‏ يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ اللَّوْثِ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمُدَّعِي بِتَكْذِيبِ أَحَدِ الْوَارِثَيْنِ، وَعَلَيْهِ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ الدِّيَةِ ‏(‏وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ‏)‏ اللَّوْثُ ‏(‏بِتَكْذِيبِ فَاسِقٍ‏)‏ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الشَّرْعِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْفَاسِقِ فِيمَا يُسْقِطُ حَقَّهُ مَقْبُولٌ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَيَّدَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ عَدْلٌ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْعَدَالَةِ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ فَلَا يَكُونُ صَغِيرًا وَلَا مَجْنُونًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُدَّعِي‏.‏ أَمَّا بُطْلَانُ اللَّوْثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَذِّبِ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي الْمُعَيَّنِ لَا فِي أَهْلِ مَحَلَّةٍ وَنَحْوِهِمْ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ لَوْثٌ فَعَيَّنَ أَحَدُ الْوَارِثِينَ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ وَعَيَّنَ غَيْرَهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَخُوهُ فِيمَا قَالَ، فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الَّذِي كُذِّبَ مِنْ الَّذِي عَيَّنَهُ قَطْعًا لِبَقَاءِ أَصْلِ اللَّوْثِ، وَانْخِرَامُهُ إنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ الَّذِي تَكَاذَبَا فِيهِ، وَأَفْهَمَ تَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالتَّكْذِيبِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْآخَرُ‏:‏ لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ لَا يَبْطُلُ اللَّوْثُ وَهُوَ كَذَلِكَ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ لَمْ يَبْطُلْ أَيْضًا كَمَا فِي الْمُعْتَمَدِ وَغَيْرِهِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ لَمْ يَتَكَاذَبْ ابْنَا الْقَتِيلِ مَثَلًا، بَلْ ‏(‏قَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ قَتَلَهُ زَيْدٌ وَمَجْهُولٌ‏)‏ عِنْدِي ‏(‏وَقَالَ الْآخَرُ‏)‏ قَتَلَهُ ‏(‏عَمْرٌو وَمَجْهُولٌ‏)‏ عِنْدِي ‏(‏حَلَفَ‏)‏ ‏(‏كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ‏)‏ مِنْهُمَا، إذْ لَا تَكَاذُبَ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الَّذِي أُبْهِمَ ذِكْرُهُ هُوَ الَّذِي عَيَّنَهُ الْآخَرُ وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏رُبُعُ الدِّيَةِ‏)‏ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُهَا وَحِصَّتُهُ مِنْهُ نِصْفُهُ، وَلَوْ رَجَعَا وَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا‏:‏ بَانَ لِي أَنَّ الَّذِي أَبْهَمْتُهُ هُوَ الَّذِي عَيَّنَهُ أَخِي فَلِكُلٍّ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْآخَرِ وَيَأْخُذَ رُبُعَ الدِّيَةِ، وَهَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ نِصْفَهَا‏؟‏ فِيهِ خِلَافٌ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي تَرْجِيحُ الثَّانِي، وَلَوْ قَالَ‏:‏ الْمَجْهُولُ غَيْرُ مَنْ عَيَّنَهُ أَخِي رَدَّ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا أَخَذَهُ لِتَكَاذُبِهِمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ مَنْ عَيَّنَهُ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا رَدَّ صَاحِبُهُ وَحْدَهُ مَا أَخَذَهُ وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُحَلِّفَ مَنْ عَيَّنَهُ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ قَتَلَهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، وَقَالَ الْآخَرُ‏:‏ بَلْ زَيْدٌ وَحْدَهُ أَقْسَمَا عَلَى زَيْدٍ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَطَالَبَاهُ بِالنِّصْفِ، وَلَا يُقْسِمُ الْأَوَّلُ عَلَى عَمْرٍو لِأَنَّ أَخَاهُ كَذَّبَهُ فِي الشَّرِكَةِ وَلِلْأَوَّلِ تَحْلِيفُ عَمْرٍو فِيمَا بَطَلَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَلِلثَّانِي تَحْلِيفُ زَيْدٍ فِيهِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي مِنْ مُسْقِطَاتِ اللَّوْثِ وَهُوَ إنْكَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُشَارَكَةَ الْمَذْكُورَةَ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اللَّوْثَ فِي حَقِّهِ فَقَالَ‏)‏ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ الْمُدَّعِي ‏(‏لَمْ أَكُنْ مَعَ‏)‏ الْقَوْمِ ‏(‏الْمُتَفَرِّقِينَ عَنْهُ‏)‏ أَيْ الْقَتِيلِ ‏(‏صُدِّقَ بِيَمِينِهِ‏)‏ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْقَتْلِ، وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ عَلَى الْأَمَارَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا، وَهِيَ عَدْلَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى نَفْيِهَا وَسَقَطَ اللَّوْثُ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ الدَّعْوَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَالَ كُنْتُ غَائِبًا وَقْتَ الْقَتْلِ فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْغَيْبَةِ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا كَمَا فِي التَّهْذِيبِ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا هَذَا عِنْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى حُضُورِهِ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يُبَيِّنَا الْحُكْمَ عِنْدَ عَدَمِ الِاتِّفَاقِ، وَحُكْمُهُ التَّعَارُضُ‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَمْرِ الثَّالِثِ مِنْ مُسْقِطَاتِ اللَّوْثِ وَهُوَ ظُهُورُ اللَّوْثِ بِأَصْلِ الْقَتْلِ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ‏)‏ فِي قَتِيلٍ لَكِنْ ‏(‏بِأَصْلِ‏)‏ أَيْ مُطْلَقِ ‏(‏قَتْلٍ دُونَ‏)‏ تَقْيِيدِهِ بِصِفَةِ ‏(‏عَمْدٍ وَخَطَإٍ‏)‏ وَشِبْهِ عَمْدٍ ‏(‏فَلَا قَسَامَةَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْقَتْلِ لَا يُفِيدُ مُطَالَبَتَهُ الْقَاتِلَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْعَمْدِ، وَلَا مُطَالَبَةَ الْعَاقِلَةِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ كَوْنُهُ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَالثَّانِي، نَعَمْ صِيَانَةً عَنْ الْإِهْدَارِ، وَرَجَّحَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَعَلَى هَذَا يُحْكَمُ بِالْأَخَفِّ حُكْمًا وَهُوَ الْخَطَأُ لِأَنَّهُ الْمُحَقِّقُ لَكِنْ تَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ وَتَصْوِيرُهُ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ إلَّا مُفَصَّلَةً كَمَا سَبَقَ وَجَعَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ وَفَصَّلَ وَظَهَرَتْ الْأَمَارَةُ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ دُونَ صِفَتِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى مُطْلَقَةً وَجَوَّزْنَاهُ وَظَهَرَ اللَّوْثُ فِي مُطْلَقِ الْقَتْلِ فَيَجِيءُ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ أَيْضًا‏.‏ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَسَامَةَ مِنْ خَصِيصَةِ قَتْلِ النَّفْسِ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏لَا يُقْسَمُ فِي‏)‏ مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ قَطْعِ ‏(‏طَرَفٍ‏)‏ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ بَلَغَ دِيَةَ نَفْسٍ وَجُرْحٍ ‏(‏وَإِتْلَافِ مَالٍ‏)‏ بَلْ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَ هُنَاكَ لَوْثٌ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي النَّفْسِ لِحُرْمَتِهَا، فَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَا دُونَهَا كَمَا اخْتَصَّتْ بِالْكَفَّارَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُ الْمُصَنِّفِ نَاقِصٌ عَنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ، فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ وَلَا قَسَامَةَ فِي الْجِرَاحَاتِ وَقَطْعِ الْأَطْرَافِ وَالْأَمْوَالِ، فَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ الْجِرَاحَاتِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ وَلَا يُقْسَمُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لِشَمْلِهَا وَكَانَ أَخْصَرَ، وَعَدَمُ الْقَسَامَةِ فِي الْمَالِ مَجْزُومٌ بِهِ، وَفِي الْأَطْرَافِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا، وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الْقَسَامَةِ فِي الْمَالِ الرَّقِيقَ فَقَالَ ‏(‏إلَّا فِي‏)‏ قَتْلِ ‏(‏عَبْدٍ‏)‏ أَوْ أَمَةٍ مَعَ لَوْثٍ فَيُقْسِمُ السَّيِّدُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ مِنْ حُرٍّ أَوْ رَقِيقٍ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَدَلَ الرَّقِيقِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهِ لِحُرْمَةِ النَّفْسِ كَالْقِصَاصِ، وَالثَّانِي لَا قَسَامَةَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَدَلَهُ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْبَهَائِمِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

جَرَيَانُ الْخِلَافِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي عَلَى قَتْلٍ ادَّعَاهُ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ تَخَلَّلَهَا جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ بَنَى، وَلَوْ مَاتَ لَمْ يَبْنِ وَارِثُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَرَثَةٌ وُزِّعَتْ بِحَسَبِ الْإِرْثِ، وَجُبِرَ الْمُنْكَسِرُ، وَفِي قَوْلٍ يَحْلِفُ كُلٌّ خَمْسِينَ، وَلَوْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا حَلَفَ الْآخَرُ خَمْسِينَ، وَلَوْ غَابَ حَلَفَ الْآخَرُ خَمْسِينَ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ، وَإِلَّا صَبَرَ لِلْغَائِبِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِلَا لَوْثٍ، وَالْمَرْدُودَةَ عَلَى الْمُدَّعِي أَوْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ لَوْثٍ، وَالْيَمِينَ مَعَ شَاهِدٍ خَمْسُونَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي صِفَةِ الْقَسَامَةِ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الْقَسَامَةُ ‏(‏أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي‏)‏ الْوَارِثُ ابْتِدَاءً ‏(‏عَلَى قَتْلٍ‏)‏ النَّفْسَ وَلَوْ نَاقِصَةً كَامْرَأَةٍ وَذِمِّيٍّ ‏(‏ادَّعَاهُ‏)‏ مَعَ وُجُودِ اللَّوْثِ ‏(‏خَمْسِينَ يَمِينًا‏)‏ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ خَيْثَمَةَ‏.‏ قَالَ ‏{‏انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ فَتَفَرَّقَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كَبِّرْ كَبِّرْ وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ فَسَكَتَ فَتَكَلَّمَا وَأَنْكَرَ الْيَهُودُ الْقَتْلَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ‏:‏ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ قَاتِلِكُمْ أَوْ صَاحِبِكُمْ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ كَيْفَ نَأْخُذُ بِقَوْلِ كُفَّارٍ‏؟‏ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏}‏ وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ ‏{‏الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏}‏ وَقِيلَ‏:‏ إنَّ الْخَمْسِينَ تُقَسَّطُ عَلَى الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، فَيَحْلِفُ فِي الْمَرْأَةِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَمِينًا، وَفِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ، وَصُورَةُ التَّعَدُّدِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَالِفُ بِالْقَسَمِ خَمْسِينَ مَرَّةً يَأْتِي بَعْدَ كُلِّ مَرَّةٍ مِنْهَا بِمَا تَقَدَّمَ اشْتِرَاطُهُ، لَا أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ بَعْدَ تَمَامِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْرِيرٌ لِلْقَسَمِ لَا لِلْيَمِينِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَبِمِثْلِهِ صَرَّحُوا فِي اللِّعَانِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ فِي الْيَمِينِ وَقَتَلَهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ زَيْدٍ أَوْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ لَا‏؟‏ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ فِي دَعْوَاهُ، وَالْحَلِفُ يَتَوَجَّهُ إلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا، فَيَقُولُ‏:‏ وَاَللَّهِ لَقَدْ قَتَلَ هَذَا، وَيُشِيرُ إلَيْهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَيَرْفَعُ فِي نَسَبِهِ إنْ كَانَ غَائِبًا، أَوْ يُعَرِّفُهُ بِمَا يَمْتَازُ بِهِ مِنْ قَبِيلَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ لَقَبٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ الْمُدَّعِي عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏.‏ فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ إمَّا ابْتِدَاءً حَيْثُ لَا لَوْثَ أَوْ عِنْدَ نُكُولِ الْمُدَّعِي مَعَ اللَّوْثِ لَا يُسَمَّى قَسَامَةً فَإِنَّهَا عِنْدَنَا الْأَيْمَانُ الَّتِي يَحْلِفُهَا الْمُدَّعِي، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي ابْتِدَاءً حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي وَحَلَفَ لَا يُسَمَّى قَسَامَةً أَيْضًا كَمَا قَيَّدْتُ بِهِ كَلَامَهُ، وَقَيَّدْتُ الْمُدَّعِي أَيْضًا بِكَوْنِهِ وَارِثًا احْتِرَازًا عَنْ صُورَةٍ هِيَ مَا لَوْ أَوْصَى لِلْمُسْتَوْلَدَةِ سَيِّدُهَا بِقِيمَةِ عَبْدِهِ الْمَقْتُولِ، وَهُنَاكَ لَوْثٌ وَمَاتَ السَّيِّدُ فَلَهَا الدَّعْوَى عَلَى النَّصِّ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُقْسِمَ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُقْسِمُ هُوَ الْوَارِثُ، وَقَوْلُهُ عَلَى قَتْلٍ‏.‏ أَوْرَدَ عَلَيْهِ الْجَنِينَ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ عَلَيْهِ وَلَا يُسَمَّى قَتِيلًا، إذْ لَمْ يُتَحَقَّقْ حَيَاتُهُ‏.‏ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْعَهُ التَّهَيُّؤَ لِلْحَيَاةِ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ‏.‏ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَدَّ الْمَلْفُوفِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ حَالَةَ الْقَتْلِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ‏.‏ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَحَقُّقُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَيُنْدَبُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَذِّرَ الْمُدَّعِيَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْمُرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيَقْرَأَ عَلَيْهِ ‏{‏إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا‏}‏ ‏[‏ آلَ عِمْرَانَ ‏]‏ الْآيَةَ، وَيُعَرِّفَهُ إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ ، وَالْقَوْلَ فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ زَمَانًا وَمَكَانَا وَلَفْظُهُ فِيهِ مَا سَبَقَهُ فِي اللِّعَانِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُؤَخَّرٌ إلَى الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ ‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا‏)‏ أَيْ الْأَيْمَانِ، فَلَوْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي خَمْسِينَ يَمِينًا فِي خَمْسِينَ يَوْمًا صَحَّ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مِنْ جِنْسِ الْحُجَجِ وَالْحُجَجُ يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا كَمَا لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ مُتَفَرِّقِينَ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ يُشْتَرَطُ لِأَنَّ لِلْمُوَالَاةِ أَثَرًا فِي الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ فِي اللِّعَانِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ اللِّعَانَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُقُوبَةُ الْبَدَنِيَّةُ وَيَخْتَلُّ بِهِ النَّسَبُ وَتَشِيعُ الْفَاحِشَةُ ‏(‏وَلَوْ تَخَلَّلَهَا‏)‏ أَيْ الْأَيْمَانَ ‏(‏جُنُونٌ‏)‏ مِنْ الْحَالِفِ ‏(‏أَوْ إغْمَاءٌ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏بَنَى‏)‏ إذَا أَفَاقَ عَلَى مَا مَضَى وَلَا يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ‏.‏ أَمَّا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ فَظَاهِرٌ‏.‏ وَأَمَّا عَلَى اشْتِرَاطِهَا فَلِقِيَامِ الْعُذْرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي‏:‏ بَلْ يَسْتَأْنِفُ إلَّا إنْ عَادَ الْمَعْزُولُ فَيَبْنِي الْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَأْنِفُ فِيمَا إذَا وَلِيَ غَيْرُهُ تَشْبِيهًا بِمَا لَوْ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ وَبِمَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ فَعُزِلَ الْقَاضِي وَوَلِيَ آخَرُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ ‏(‏وَلَوْ مَاتَ‏)‏ الْوَلِيُّ الْمُقْسِمُ فِي أَثْنَاءِ الْأَيْمَانِ ‏(‏لَمْ يَبْنِ وَارِثُهُ‏)‏ بَلْ يَسْتَأْنِفُ ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ الْمَنْصُوصِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ كَالْحُجَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَحَدٌ شَيْئًا بِيَمِينِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ كَمَا لَوْ أَقَامَ شَطْرَ الْبَيِّنَةِ‏.‏ ثُمَّ مَاتَ حَيْثُ يَضُمُّ وَارِثُهُ إلَيْهِ الشَّطْرَ الثَّانِيَ، وَلَا يَسْتَأْنِفُ لِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ شَاهِدٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا انْضَمَّتْ الْيَمِينُ إلَيْهَا قَدْ يُحْكَمُ بِهِمَا بِخِلَافِ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ لَا اسْتِقْلَالَ لِبَعْضِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ انْضَمَّ إلَيْهِ شَهَادَةُ شَاهِدٍ لَا يُحْكَمُ بِهِمَا، وَالثَّانِي يَبْنِي لِأَنَّا إذَا كُنَّا نَبْنِي يَمِينَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضٍ فِي تَوْزِيعِ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ فَبِنَاءُ الْوَارِثِ عَلَى يَمِينِ الْمُوَرِّثِ أَوْلَى‏.‏ أَمَّا إذَا تَمَّتْ أَيْمَانُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا يَسْتَأْنِفُ وَارِثُهُ، بَلْ يُحْكَمُ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً ثُمَّ مَاتَ‏.‏ وَأَمَّا وَارِثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَبْنِي عَلَى أَيْمَانِهِ إذَا تَخَلَّلَ مَوْتُهُ الْأَيْمَانَ، وَكَذَا يَبْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِهَا وَوَلِيَ غَيْرُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلنَّفْيِ فَتَنْفُذُ بِنَفْسِهَا، وَيَمِينَ الْمُدَّعِي لِلْإِثْبَاتِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي، وَالْقَاضِي الثَّانِي لَا يَحْكُمُ بِحُجَّةٍ أُقِيمَتْ عِنْدَ الْأَوَّلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

عَزْلُ الْقَاضِي وَمَوْتُهُ بَعْدَ تَمَامِ الْأَيْمَانِ كَهُمَا فِي أَثْنَائِهَا فِي طَرَفِ الْمُدَّعِي وَطَرَفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ ‏(‏وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَرَثَةٌ‏)‏ خَاصَّةٌ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ ‏(‏وُزِّعَتْ‏)‏ أَيْ الْأَيْمَانُ الْخَمْسُونَ عَلَيْهِمْ ‏(‏بِحَسَبِ الْإِرْثِ‏)‏ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِأَيْمَانِهِمْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا خَاصَّةٌ مَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ غَيْرُ جَائِزٍ وَشَرِيكُهُ بَيْتُ الْمَالِ، فَإِنَّ الْأَيْمَانَ لَمْ تُوَزَّعْ، بَلْ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا كَمَا لَوْ نَكَلَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَوْ غَابَ يَحْلِفُ الْحَاضِرُ خَمْسِينَ فَفِي زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ عَشْرًا وَالْبِنْتُ أَرْبَعِينَ يُجْعَلُ الْأَيْمَانُ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا، لِأَنَّ سِهَامَهُمَا خَمْسَةٌ وَلِلزَّوْجَةِ مِنْهَا وَاحِدٌ، وَلَا يَثْبُتُ الْبَاقِي بِذَلِكَ‏:‏ بَلْ حُكْمُهُ كَمَنْ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ بِحَسَبِ الْإِرْثِ، لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ يُحْسَبُ أَسْمَاءُ فَرَائِضِهِمْ أَوْ سِهَامِهِمْ وَذَلِكَ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْعَوْلِ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ، فَهَلْ تُقَسَّمُ الْأَيْمَانُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْفَرِيضَةِ أَوْ عَلَى الْفَرِيضَةِ وَعَوْلِهَا‏؟‏ وَجْهَانِ‏:‏ أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي الْحَاوِي الثَّانِي، فَيَحْلِفُ الزَّوْجُ عَلَى هَذَا خَمْسَ عَشْرَةَ، وَكُلُّ أُخْتٍ لِأَبٍ عَشَرَةً، وَكُلُّ أُخْتٍ لِأُمٍّ خَمْسَةً، وَالْأُمُّ خَمْسَةً، وَفِي صُوَرِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ تُقَسَّمُ الْأَيْمَانُ كَقَسْمِ الْمَالِ، وَفِي الْمُعَادَةِ لَا يَحْلِفُ وَلَدُ الْأَبِ إنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، وَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا حَلَفَ بِقَدْرِ حَقِّهِ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ التَّوْزِيعُ بِحَسَبِ الْإِرْثِ الْمَحْكُومِ بِهِ نَاجِزًا وَلَيْسَ مُرَادًا، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْإِرْثِ الْمُحْتَمَلِ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ ابْنًا وَخُنْثَى فَلَا تُوَزَّعُ الْخَمْسُونَ بِحَسَبِ الْإِرْثِ النَّاجِزِ بَلْ يَحْلِفُ الِابْنُ ثُلُثَيْ الْخَمْسِينَ وَيَأْخُذُ النِّصْفَ وَيَحْلِفُ الْخُنْثَى نِصْفَ الْخَمْسِينَ وَيَأْخُذُ الثُّلُثَ وَيُوقَفُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا، وَالضَّابِطُ الِاحْتِيَاطُ فِي الطَّرَفَيْنِ الْحَلِفُ بِالْأَكْثَرِ وَالْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ ‏(‏وَجُبِرَ الْمُنْكَسِرُ‏)‏ إنْ لَمْ تَنْقَسِمْ صَحِيحَةً لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَتَبَعَّضُ، وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ لِئَلَّا يَنْقُصَ نِصَابُ الْقَسَامَةِ، فَلَوْ كَانَ ثَلَاثَةُ بَنِينَ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ حَلَفَ كُلٌّ يَمِينَيْنِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ مُخَرَّجٍ ‏(‏يَحْلِفُ كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏خَمْسِينَ‏)‏ لِأَنَّ الْعَدَدَ فِي الْقَسَامَةِ كَالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ فِي غَيْرِهَا‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْيَمِينَ الْوَاحِدَةَ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا بِخِلَافِ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ ‏(‏وَلَوْ نَكَلَ‏)‏ عَنْ الْأَيْمَانِ ‏(‏أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ الْوَارِثَيْنِ ‏(‏حَلَفَ‏)‏ الْوَارِثُ ‏(‏الْآخَرُ خَمْسِينَ‏)‏ يَمِينًا وَأَخَذَ حِصَّتَهُ لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تُسْتَحَقُّ بِأَقَلَّ مِنْهَا، وَمَا سَبَقَ مِنْ تَوْزِيعِ الْأَيْمَانِ مُقَيَّدٌ بِحُضُورِ الْوَارِثِينَ وَكَمَالِهِمْ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏لَوْ غَابَ‏)‏ أَحَدُهُمَا أَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا ‏(‏حَلَفَ الْآخَرُ خَمْسِينَ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ‏)‏ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ هِيَ الْحُجَّةُ، فَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ ثَلَاثَ عَصَبَاتٍ كَإِخْوَةٍ أَحَدُهُمْ حَاضِرٌ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَ ثُلُثَ الدِّيَةِ، فَإِذَا حَضَرَ الثَّانِي حَلَفَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَأَخَذَ الثُّلُثَ، فَإِذَا حَضَرَ الثَّالِثُ حَلَفَ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَيُقَاسُ بِهَذَا غَيْرُهُ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَهَذَا إنَّمَا يُتَّجَهُ إذَا قُلْنَا‏:‏ إنَّ تَكْذِيبَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ لَا يَمْنَعُ الْقَسَامَةَ، وَهُوَ رَأْيُ الْبَغَوِيِّ، فَإِنْ قُلْنَا يَمْنَعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ تَعَيَّنَ انْتِظَارُ الْغَائِبِ‏:‏ أَيْ وَكَمَالُ النَّاقِصِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّا تَحَقَّقْنَا الِاسْتِحْقَاقَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ، فَإِنْ وُجِدَ عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ، وَلَوْ حَلَفَ الْحَاضِرُ أَوْ الْكَامِلُ ثُمَّ مَاتَ الْغَائِبُ أَوْ النَّاقِصُ وَوَرِثَهُ الْحَالِفُ لَمْ يَأْخُذْ نَصِيبَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ حِصَّتَهُ، وَلَا يُحْسَبُ مَا مَضَى لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لَهُ حِينَئِذٍ، وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْغَائِبَ كَانَ مَيِّتًا حَالَ الْحَلِفِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ الِاكْتِفَاءُ بِحَلِفِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْحَاضِرُ أَوْ الْكَامِلُ ‏(‏صَبَرَ لِلْغَائِبِ‏)‏ حَتَّى يَحْضُرَ، وَلِلصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَلِلْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ فَيَحْلِفَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَيْمَانِ ثُمَّ مَا سَبَقَ مَحَلُّهُ فِي الْأَيْمَانِ الصَّادِرَةِ مِنْ الْمُدَّعِي‏.‏ أَمَّا الصَّادِرَةُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ ‏(‏وَالْمَذْهَبُ أَنَّ يَمِينَ‏)‏ الشَّخْصِ ‏(‏الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏)‏ قَتْلٌ ‏(‏بِلَا لَوْثٍ‏)‏ خَمْسُونَ ‏(‏وَ‏)‏ الْيَمِينَ ‏(‏ الْمَرْدُودَةَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏عَلَى الْمُدَّعِي‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ أَوْ كَانَ وَنَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْقَسَامَةِ فَرُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ فَرُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي مَرَّةً ثَانِيَةً خَمْسُونَ ‏(‏أَوْ‏)‏ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ ‏(‏عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏)‏ بِسَبَبِ نُكُولِ الْمُدَّعِي ‏(‏مَعَ لَوْثٍ‏)‏ خَمْسُونَ ‏(‏وَالْيَمِينَ‏)‏ أَيْضًا ‏(‏مَعَ شَاهِدٍ‏)‏ وَقَوْلُهُ ‏(‏خَمْسُونَ‏)‏ رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ كَمَا تَقَرَّرَ لِأَنَّهَا فِيمَا ذُكِرَ يَمِينُ دَمٍ، حَتَّى لَوْ تَعَدَّدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَفَ كُلٌّ خَمْسِينَ وَلَا تُوَزَّعُ عَلَى الْأَظْهَرِ بِخِلَافِ تَعَدُّدِ الْمُدَّعِي، وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ يَنْفِي عَنْ نَفْسِهِ الْقَتْلَ كَمَا يَنْفِيهِ مَنْ انْفَرَدَ، وَكُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِينَ لَا يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ مَا يُثْبِتُهُ الْوَاحِدُ لَوْ انْفَرَدَ بَلْ يُثْبِتُ بَعْضَ الْإِرْثِ فَيَحْلِفُ بِقَدْرِ الْحِصَّةِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا وَرَدَ فِيهِ النَّصِّ بِالْخَمْسِينَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُهُ مُشْعِرٌ بِحِكَايَةِ الْمَذْهَبِ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَلَمْ يَحْكِهِ فِي الرَّوْضَةِ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ، وَحُكِيَ فِيمَا عَدَاهَا الْخِلَافُ قَوْلَيْنِ‏:‏ أَظْهَرُهُمَا أَنَّ الْحَلِفَ خَمْسُونَ، وَاعْتُذِرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ حِكَايَةَ الْمَذْهَبِ فِي مَجْمُوعِ الْمَسَائِلِ بِالنَّظَرِ لِلثَّالِثَةِ، وَالْأَحْسَنُ فِي الْمَرْدُودَةِ وَالْيَمِينِ نَصْبُهُمَا عَطْفًا عَلَى اسْمِ ‏"‏ أَنَّ ‏"‏ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ خَبَرِهَا، وَيَجُوزُ عِنْدَ الْكِسَائِيّ الرَّفْعُ، وَأَطْلَقَ الشَّيْخَانِ تَعَدُّدَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالْعَمْدِ‏.‏ أَمَّا قَتْلُ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ فَيَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ يَمِينًا وَاحِدَةً كَمَا مَرَّ عَنْ تَصْرِيحِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلِ لَوْثٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَجِبُ بِالْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ، أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي الْعَمْدِ عَلَى الْمَقْسَمِ عَلَيْهِ وَفِي الْقَدِيمِ قِصَاصٌ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَجِبُ بِالْقَسَامَةِ‏)‏ مِنْ الْمُدَّعِي ‏(‏فِي قَتْلِ الْخَطَإِ، أَوْ‏)‏ قَتْلِ ‏(‏شِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ‏)‏ مُخَفَّفَةٌ فِي الْأَوَّلِ مُغَلَّظَةٌ فِي الثَّانِي لِقِيَامِ الْحُجَّةِ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ‏:‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَانَ الْمُصَنِّفُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ هَذَا بِمَا قَدَّمَهُ فِي فَصْلِ الْعَاقِلَةِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَيْسَتْ كَالْبَيِّنَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْبَيِّنَةِ فِي الْعَمْدِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ بَلْ دِيَةٌ كَمَا قَالَ ‏(‏وَفِي‏)‏ قَتْلِ ‏(‏الْعَمْدِ‏)‏ دِيَةٌ حَالَّةٌ ‏(‏عَلَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ‏)‏ وَلَا قِصَاصَ فِي الْجَدِيدِ، لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ ‏{‏إمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ أَوْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ‏}‏ وَأَطْلَقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيجَابَ الدِّيَةِ وَلَمْ يَفْصِلْ، وَلَوْ صَلَحَتْ الْأَيْمَانُ لِلْقِصَاصِ لِذِكْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الدِّمَاءِ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ‏(‏وَفِي الْقَدِيمِ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏قِصَاصٌ‏)‏، حَيْثُ يَجِبُ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ‏}‏ أَيْ دَمَ قَاتِلِ صَاحِبِكُمْ، وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ يَثْبُتُ بِهَا الْعَمْدُ بِالِاتِّفَاقِ فَيَثْبُتُ بِهَا الْقِصَاصُ كَشَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ‏.‏ وَأَجَابَ فِي الْجَدِيدِ عَنْ الْحَدِيثْ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ بَدَلُ دَمِ صَاحِبِكُمْ، وَعَبَّرَ بِالدَّمِ عَنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهَا بِسَبَبِ الدَّمِ، وَعَنْ التَّعْلِيلِ بِانْتِقَاضِهِ بِمَا إذَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ، وَاحْتَرَزَ بِالْقَسَامَةِ عَمَّا لَوْ حَلَفَ الْمُدَّعِي عِنْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ أَوْ كَالْبَيِّنَةِ، وَالْقَوَدُ يَثْبُتُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ ادَّعَى عَمْدًا بِلَوْثٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ حَضَرَ أَحَدُهُمْ أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ وَأَخَذَ ثُلُثَ الدِّيَةِ، فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ، وَفِي قَوْلٍ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ ادَّعَى‏)‏ قَتْلًا ‏(‏عَمْدًا بِلَوْثٍ‏)‏ أَيْ مَعَهُ ‏(‏عَلَى ثَلَاثَةٍ حَضَرَ أَحَدُهُمْ‏)‏، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْقَتْلِ اقْتَصَّ مِنْهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ ‏(‏أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ وَأَخَذَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏ثُلُثَ الدِّيَةِ‏)‏ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْجَدِيدِ، وَلَهُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ عَلَى الْقَدِيمِ ‏(‏فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ‏)‏ وَاعْتَرَفَ اُقْتُصَّ مِنْهُ؛ وَإِنْ أَنْكَرَ ‏(‏أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ‏)‏ فِي الْأَظْهَرِ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ السَّابِقَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ وَأَخَذَ مِنْهُ ثُلُثَ الدِّيَةِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ يُقْسِمُ ‏(‏خَمْسًا وَعِشْرِينَ‏)‏ كَمَا لَوْ حَضَرَا مَعًا، وَقَوْلُهُ ‏(‏إنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ‏)‏ أَيْ الْغَائِبَ ‏(‏فِي الْأَيْمَانِ‏)‏ الَّتِي حَلَفَهَا لِلْحَاضِرِ قَيْدٌ لَا قَسْمٌ لِلْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ كَانَ ذَكَرَهُ فِيهَا ‏(‏فَيَنْبَغِي‏)‏ كَمَا بَحَثَهُ الْمُحَرَّرُ ‏(‏الِاكْتِفَاءُ بِهَا‏)‏، وَلَا يَحْلِفُ ‏(‏بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ‏)‏ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ ضَعْفُ الْقَسَامَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مَنْقُولُ الْأَصْحَابِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَإِنَّمَا هُوَ بَحْثٌ لِلرَّافِعِيِّ كَمَا قَدَّرْتُهُ، وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ الثَّالِثِ إذَا حَضَرَ، وَهُوَ كَالثَّانِي فِيمَا مَرَّ فِيهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَنْ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الدَّمِ أَقْسَمَ وَلَوْ مُكَاتَبًا لِقَتْلِ عَبْدِهِ، وَمَنْ ارْتَدَّ فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ أَقْسَامِهِ لِيُسْلِمَ، فَإِنْ أَقْسَمَ فِي الرِّدَّةِ صَحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ لَا قَسَامَةَ فِيهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ ذَكَرَ ضَابِطَ مَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فِي قَوْلِهِ ‏(‏وَ‏)‏ كُلُّ ‏(‏مَنْ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الدَّمِ‏)‏ مِنْ سَيِّدٍ أَوْ وَارِثٍ ‏(‏أَقْسَمَ‏)‏ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا عَدْلًا أَمْ فَاسِقًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَمْ غَيْرَهُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ هُوَ ‏(‏مُكَاتَبٌ لِقَتْلِ عَبْدِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِبَدَلِهِ، وَلَا يُقْسِمُ سَيِّدُهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ الَّذِي تَحْتَ يَدِهِ، فَإِنَّ السَّيِّدَ يُقْسِمُ دُونَ الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَا أَقْسَمَ أَخَذَ السَّيِّدُ الْقِيمَةَ كَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلِيُّ بَعْدَ مَا أَقْسَمَ أَوْ قَبْلَهُ وَقَبْلَ نُكُولِهِ حَلَفَ السَّيِّدُ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا لِبُطْلَانِ الْحَقِّ بِالنُّكُولِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ السَّيِّدَ يَحْلِفُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

احْتَرَزَ بِمَنْ اسْتَحَقَّ إلَخْ عَمَّا لَوْ جَرَحَ شَخْصٌ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ وَمَاتَ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِوَلِيِّهِ الْقَسَامَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَهَا، بَلْ هُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَبِقَوْلِنَا‏:‏ مِنْ سَيِّدٍ أَوْ وَارِثٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ مَا لَوْ أَوْصَى السَّيِّدُ لِمُسْتَوْلَدَتِهِ بِقِيمَةِ عَبْدِهِ الْمَقْتُولِ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ، فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْقَسَامَةِ فَإِنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ تَسْتَحِقُّ الْقِيمَةَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تُقْسِمُ بَلْ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقَتْلِ كَانَ لِلسَّيِّدِ، وَالْقَسَامَةُ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْقَتْلِ فَيَرِثُهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَإِذَا ثَبَتَتْ الْقِيمَةُ صَرَفَهَا إلَى الْمُسْتَوْلَدَةِ بِمُوجِبِ وَصِيَّتِهِ، وَتَحْقِيقِ مُرَادِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي دَيْنَهُ ‏(‏وَمَنْ ارْتَدَّ‏)‏ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ بَدَلَ الدَّمِ بِأَنْ يَمُوتَ الْمَجْرُوحُ ثُمَّ يَرْتَدَّ وَلِيُّهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ ‏(‏فَالْأَفْضَلُ‏)‏ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ‏:‏ فَالْأَوْلَى، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى ‏(‏تَأْخِيرُ أَقْسَامِهِ لِيُسْلِمَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَرَّعُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ عَنْ الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ، فَإِذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أَقْسَمَ‏.‏ أَمَّا إذَا ارْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَلَا يُقْسِمُ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ وَارْتَدَّ سَيِّدُهُ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِ الْعَبْدِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْإِرْثِ ‏(‏فَإِنْ أَقْسَمَ فِي الرِّدَّةِ صَحَّ‏)‏ أَقْسَامُهُ وَاسْتَحَقَّ الدِّيَةَ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ ‏"‏ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اعْتَدَّ بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ ‏"‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ يَمِينَ الْكَافِرِ صَحِيحَةٌ، وَالْقَسَامَةُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ، فَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ الرِّدَّةُ كَالِاحْتِطَابِ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَنْ الْمُزَنِيِّ، وَحَكَى قَوْلًا مُخَرَّجًا وَمَنْصُوصًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ فِي الرِّدَّةِ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ اُعْتُدَّ بِهِ قَطْعًا، وَلَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَأَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يُقْسِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ ‏(‏وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ‏)‏ خَاصٌّ ‏(‏لَا قَسَامَةَ فِيهِ‏)‏ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ لِعَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ دِيَتَهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَحْلِيفَهُمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ، لَكِنْ يُنَصِّبُ الْقَاضِي مَنْ يَدَّعِي عَلَى مَنْ نُسِبَ الْقَتْلُ إلَيْهِ وَيُحَلِّفُهُ، فَإِنْ نَكَلَ فَهَلْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ أَوْ لَا‏؟‏ وَجْهَانِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِالْأَوَّلِ، وَمُقْتَضَى مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِيمَنْ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ فَادَّعَى الْقَاضِي أَوْ مَنْصُوبُهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى آخَرَ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لَهُ بِالنُّكُولِ بَلْ يُحْبَسُ لِيَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ تَرْجِيحُ الثَّانِي وَهُوَ أَوْجَهُ‏.‏

‏[‏فَصْلٌ‏:‏ فِيمَا يُثْبِتُ مُوجِبَ الْقِصَاصِ وَمُوجِبَ الْمَالِ مِنْ إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ‏]‏

المتن‏:‏

إنَّمَا يَثْبُتُ مُوجِبُ الْقِصَاصِ بِإِقْرَارٍ أَوْ عَدْلَيْنِ، وَالْمَالِ بِذَلِكَ أَوْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ وَيَمِينٍ، وَلَوْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ لِيَقْبَلَ لِلْمَالِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ شَهِدَ هُوَ وَهُمَا بِهَاشِمَةٍ قَبْلَهَا إيضَاحٌ لَمْ يَجِبْ أَرْشُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلْيُصَرِّحْ الشَّاهِدُ بِالْمُدَّعَى، فَلَوْ قَالَ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ لَمْ يَثْبُتْ حَتَّى يَقُولَ فَمَاتَ مِنْهُ أَوْ فَقَتَلَهُ، وَلَوْ قَالَ ضَرَبَ رَأْسَهُ فَأَدْمَاهُ أَوْ فَأَسَالَ دَمَهُ ثَبَتَتْ دَامِيَةٌ، وَيُشْتَرَطُ لِمُوضِحَةٍ ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَ عَظْمَ رَأْسِهِ، وَقِيلَ يَكْفِي فَأَوْضَحَ رَأْسَهُ، وَيَجِبُ بَيَانُ مَحَلِّهَا وَقَدْرِهَا لِيُمْكِنَ الْقِصَاصُ

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ‏]‏ فِيمَا يُثْبِتُ مُوجِبَ الْقِصَاصِ وَمُوجِبَ الْمَالِ مِنْ إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ ‏(‏إنَّمَا يَثْبُتُ مُوجِبُ الْقِصَاصِ‏)‏ بِكَسْرِ الْجِيمِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ ‏(‏بِإِقْرَارٍ، أَوْ‏)‏ شَهَادَةِ ‏(‏عَدْلَيْنِ‏)‏ بِهِ، لِمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَوْرَدَ عَلَى حَصْرِهِ عِلْمُ الْقَاضِي وَنُكُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحَلِفُ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِمَا، وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِرُجُوعِهِ إلَى الْإِقْرَارِ أَوْ الْبَيِّنَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ السِّحْرُ، فَإِنَّهُ قَدْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ، بَلْ بِالْإِقْرَارِ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏وَ‏)‏ إنَّمَا يَثْبُتُ مُوجِبُ ‏(‏الْمَالِ‏)‏ مِنْ قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ‏(‏بِذَلِكَ‏)‏ أَيْ إقْرَارِهِ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي ‏(‏أَوْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ‏)‏ بِرَجُلٍ ‏(‏وَيَمِينٍ‏)‏ لَا بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ذُكِرَتْ هُنَا تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَيَأْتِي ثَمَّ الْكَلَامُ عَلَى صِفَاتِ الشُّهُودِ الْمَشْهُودِ بِهِ مُسْتَوْفًى، وَفِي بَابِ الْقَضَاءِ بَيَانُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ وَالْمَالِ هُوَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْقِصَاصِ، وَحِينَئِذٍ يُرَدُّ عَلَى حَصْرِهِ الْقَسَامَةُ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ، فَإِنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ فَقَطْ، وَالْمُرَادُ بِالْيَمِينِ فِي كَلَامِهِ الْجِنْسُ لَا الْأَفْرَادُ لِمَا مَرَّ مِنْ تَعَدُّدِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمَالُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إذَا ادَّعَى بِهِ عَيْنًا فَلَوْ ادَّعَى الْقِصَاصَ فَشَهِدَ لَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَمْ يَثْبُتْ الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ أَقَامَ فِي السَّرِقَةِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ ثَبَتَ الْغُرْمُ لَا الْقَطْعُ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالسَّرِقَةِ تُوجِبُهُمَا مَعًا، وَإِذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْقَطْعُ بَقِيَ الْغُرْمُ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْقَوَدَ عَيْنًا أَوْ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ أَوْجَبْنَا فِيهِ خِلَافَ مُقْتَضَى الْجِنَايَةِ ‏(‏وَلَوْ عَفَا‏)‏ مُسْتَحِقُّ قِصَاصٍ فِي جِنَايَةٍ تُوجِبُهُ ‏(‏عَنْ الْقِصَاصِ لِيُقْبَلَ لِلْمَالِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ‏)‏ أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينٌ ‏(‏لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ أَيْ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِذَلِكَ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ وَلَمْ يَثْبُتْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْقِصَاصَ لِيُعْتَبَرَ الْعَفْوُ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يُقْبَلُ، وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَالُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ عَفْوِهِ بِالْجِنَايَةِ الْمَذْكُورَةِ هَلْ يَثْبُتُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَوْ لَا‏؟‏ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ، لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ إنْ أَنْشَأَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ بَعْدَ الْعَفْوِ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى الْعَمْدَ وَأَقَامَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْقِصَاص عَلَى مَالٍ وَقَصَدَ الْحُكْمَ لَهُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ حِينَ أُقِيمَتْ فَلَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِهَا، كَمَا لَوْ شَهِدَ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ بِشَيْءٍ ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ ‏(‏وَلَوْ شَهِدَ هُوَ‏)‏ أَيْ الرَّجُلُ ‏(‏وَهُمَا‏)‏ أَيْ الْمَرْأَتَانِ ‏(‏بِهَاشِمَةٍ قَبْلَهَا إيضَاحٌ لَمْ يَجِبْ أَرْشُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْهَشْمَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْإِيضَاحِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا اشْتَمَلَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ اُحْتِيطَ لَهَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ أَرْشُهَا، وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ نَصٍّ آخَرَ فِيمَا إذَا رَمَى إلَى زَيْدٍ سَهْمًا فَمَرَقَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخَطَأُ الْوَارِدُ عَلَى الثَّانِي بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَشَاهِدٍ وَيَمِينٍ انْتَهَى، وَالْمَذْهَبُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهَشْمَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْإِيضَاحِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي مَسْأَلَةِ مُرُورِ السَّهْمِ حَصَلَ جِنَايَتَانِ لَا تَعَلُّقَ لِإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَمِنْ ذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنَايَتَيْنِ، أَوْ مِنْ جَانٍ وَاحِدٍ فِي مَرَّتَيْنِ ثَبَتَ أَرْشُ الْهَاشِمَةِ بِذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الثَّانِيَةِ عَنْ بَحْثِ الْإِمَامِ مَعَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَمِثْلُهُ الرَّجُلُ مَعَ الْيَمِينِ، وَتُؤْخَذُ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَكَلَامُ الْوَسِيطِ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ ‏(‏وَلْيُصَرِّحْ الشَّاهِدُ بِالْمُدَّعَى‏)‏ بِهِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وُجُوبًا ‏(‏فَلَوْ قَالَ‏)‏ الشَّاهِدُ ‏(‏ضَرَبَهُ‏)‏ أَيْ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ ‏(‏بِسَيْفٍ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ لَمْ يَثْبُتْ‏)‏ هَذَا الْقَتْلُ الْمُدَّعَى بِهِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ ‏(‏حَتَّى يَقُولَ‏)‏ الشَّاهِدُ ‏(‏فَمَاتَ مِنْهُ‏)‏ أَيْ مِنْ جَرْحِهِ ‏(‏أَوْ فَقَتَلَهُ‏)‏ أَوْ أَنْهَرَ دَمَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَضَرْبِهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ لِيَنْتَفِيَ الِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ الشَّاهِدُ‏:‏ ‏(‏ضَرَبَ‏)‏ الْجَانِي ‏(‏رَأْسَهُ‏)‏ أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ‏(‏فَأَدْمَاهُ أَوْ‏)‏ ضَرَبَ رَأْسَهُ مَثَلًا ‏(‏فَأَسَالَ‏)‏ الضَّرْبُ ‏(‏دَمَهُ ثَبَتَتْ‏)‏ بِذَلِكَ ‏(‏دَامِيَةٌ‏)‏ عَمَلًا بِقَوْلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فَسَالَ دَمُهُ لَمْ تَثْبُتْ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ السَّيَلَانِ بِسَبَبٍ آخَرَ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ لِمُوضِحَةٍ‏)‏ أَيْ فِي الشَّهَادَةِ بِهَا أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ ‏(‏ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَ عَظْمَ رَأْسِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ يُحْتَمَلُ بَعْدَهُ ‏(‏وَقِيلَ يَكْفِي فَأَوْضَحَ رَأْسَهُ‏)‏ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِإِيضَاحِ الْعَظْمِ، وَظَاهِرُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الْجَزْمُ بِهِ، وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَفْهُومِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ عُرْفًا ‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ عَلَى الشَّاهِدِ ‏(‏بَيَانُ مَحَلِّهَا‏)‏ أَيْ الْمُوضِحَةِ ‏(‏وَقَدْرِهَا‏)‏ بِالْمِسَاحَةِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا إذَا كَانَ عَلَى رَأْسِهِ مَوَاضِحُ ‏(‏لِيُمْكِنَ‏)‏ فِيهَا ‏(‏الْقِصَاصُ‏)‏ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ إلَّا مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ وَشَهِدَ الشَّاهِدُ بِأَنَّهُ أَوْضَحَ رَأْسَهُ لَمْ يَثْبُتْ الْقِصَاصُ أَيْضًا لِجَوَازِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ مُوضِحَةٌ صَغِيرَةٌ فَوَسَّعَهَا غَيْرُ الْجَانِي‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ قَوْلُهُ‏:‏ لِيُمْكِنَ الْقِصَاصُ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِيهِ لَا يُحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَثْبُتُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِإِقْرَارٍ بِهِ، لَا بِبَيِّنَةٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَثْبُتُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِإِقْرَارٍ بِهِ‏)‏ مِنْ السَّاحِرِ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ قَتَلْتُهُ بِسِحْرِي وَهُوَ يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَمْدٌ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ قَالَ يَقْتُلُ نَادِرًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ قَالَ أَخْطَأْتُ مِنْ اسْمِ غَيْرِهِ إلَى اسْمِهِ فَخَطَأٌ، وَيَجِبُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ دِيَةٌ فِي مَالِ السَّاحِرِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُلْزِمُهُمْ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُ الْعَاقِلَةُ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ، فَقَوْلُهُ فِي الْوَجِيزِ‏:‏ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَالْحَمْلُ عَلَى هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الدَّمِيرِيِّ‏:‏ إنَّهُ وَهْمٌ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ، وَيَثْبُتُ السِّحْرُ أَيْضًا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ بِالسِّحْرِ فَيُنْكِرَ وَيَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَتُرَدَّ عَلَى الْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ، وَقَدْ يُقَالُ‏:‏ إنَّ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ بِإِقْرَارٍ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَإِنْ قَالَ إنَّ سِحْرَهُ كُفْرٌ قُتِلَ بِهِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُسْتَفْسَرَ، إذْ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ كُفْرًا، وَلَوْ قَالَ آذَيْته بِسِحْرِي وَلَمْ أُمْرِضْهُ نُهِيَ عَنْهُ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ‏:‏ كَذَا قَالَاهُ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا لَمْ يَبْعُدْ، وَإِنْ قَالَ أَمْرَضْتُهُ بِهِ عُزِّرَ، فَإِنْ مَرِضَ بِهِ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ كَانَ لَوْثًا إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ تَأَلَّمَ بِهِ حَتَّى مَاتَ ثُمَّ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ، فَإِنْ ادَّعَى السَّاحِرُ بَرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَاحْتُمِلَ بُرْؤُهُ بِأَنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُحْتَمَلُ بُرْؤُهُ فِيهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ قَتَلْتُ بِسِحْرِي وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا عُزِّرَ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا، وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

السِّحْرُ لُغَةً‏:‏ صَرْفُ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ، يُقَالُ مَا سَحَرَكَ عَنْ كَذَا‏:‏ أَيْ صَرَفَكَ عَنْهُ‏.‏ وَاصْطِلَاحًا‏:‏ مُزَاوَلَةُ النُّفُوسُ الْخَبِيثَةُ لِأَفْعَالٍ وَأَقْوَالٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أُمُورٌ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ تَخْيِيلٌ أَوْ حَقِيقَةٌ‏؟‏ قَالَ بِالْأَوَّلِ الْمُعْتَزِلَةُ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى‏}‏ ‏[‏ طَه ‏]‏ وَقَالَ بِالثَّانِي أَهْلُ السُّنَّةِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، وَالسَّاحِرُ قَدْ يَأْتِي بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَسْحُورِ فَيَمْرَضُ وَيَمُوتُ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِوُصُولِ شَيْءٍ إلَى بَدَنِهِ مِنْ دُخَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ دُونَهُ، وَيُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَيَكْفُرُ مُعْتَقِدُ إبَاحَتِهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَهُ تَعْلِيمًا، أَوْ تَعَلُّمًا، أَوْ فِعْلًا أَثِمَ، فَكُلٌّ مِنْهَا حَرَامٌ لِخَوْفِ الِافْتِتَانِ وَالْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ يَجُوزُ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ لِلْوُقُوفِ عَلَيْهِ لَا لِلْعَمَلِ بِهِ، بَلْ إنْ اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى تَقْدِيمِ اعْتِقَادِ مُكَفِّرٍ كَفَرَ‏.‏ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ‏:‏ وَلَا يَظْهَرُ السِّحْرُ إلَّا عَلَى فَاسِقٍ، وَلَا تَظْهَرُ الْكَرَامَةُ عَلَى فَاسِقٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ بَلْ مُسْتَفَادٌ مِنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَ ‏(‏لَا‏)‏ يَثْبُتُ السِّحْرُ ‏(‏بِبَيِّنَةٍ‏)‏ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَعْلَمُ قَصْدَ السَّاحِرِ وَلَا يُشَاهِدُ تَأْثِيرَ سِحْرِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْبَيِّنَةِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ إنَّ مَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ السِّحْرِ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ أَيْضًا‏:‏ كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ سَحَرْتُهُ بِنَوْعِ كَذَا، فَشَهِدَ عَدْلَانِ كَانَا سَاحِرَيْنِ ثُمَّ تَابَا بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ نَادِرًا فَيَثْبُتُ بِمَا يَشْهَدَانِ بِهِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

لَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مِنْ السِّحْرِ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا الْقِبْطُ أَيَّامَ دَلُوكَا مَلِكَةِ مِصْرَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ ، فَإِنَّهُمْ وَضَعُوا السِّحْرَ عَلَى الْبَرَابِي وَصَوَّرُوا فِيهَا صُوَرَ عَسَاكِرِ الدُّنْيَا، فَأَيُّ عَسْكَرٍ قَصَدَهُمْ أَتَوْا إلَى ذَلِكَ الْعَسْكَرِ الْمُصَوَّرِ فَمَا فَعَلُوهُ بِهِ مِنْ قَلْعِ الْأَعْيُنِ وَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ اتَّفَقَ نَظِيرُهُ لِلْعَسْكَرِ الْعَامِدِ لَهُمْ فَيَخَافُ مِنْهُمْ الْعَسَاكِرُ، وَأَقَامُوا سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ بِمِصْرَ بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ تَهَابُهُمْ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ‏.‏ قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ السَّاحِرَ يَقْلِبُ بِسِحْرِهِ الْأَعْيَانَ، وَيَجْعَلُ الْإِنْسَانَ حِمَارًا بِحَسَبِ قُوَّةِ السِّحْرِ‏.‏ قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ وَهَذَا وَاضِحُ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى هَذَا لَقَدَرَ أَنْ يَرُدَّ بِنَفْسِهِ إلَى الشَّبَابِ بَعْدَ الْهَرَمِ، وَأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الْمَوْتِ، وَمِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِهِ السِّيمِيَاءُ‏.‏ وَأَمَّا الْكِهَانَةُ وَالتَّنْجِيمُ وَالضَّرْبُ بِالرَّمْلِ وَالْحَصَى وَالشَّعِيرِ وَالشَّعْبَذَةُ فَحَرَامٌ تَعْلِيمًا وَتَعَلُّمًا وَفِعْلًا، وَكَذَا إعْطَاءُ الْعِوَضِ أَوْ أَخْذُهُ عَنْهَا بِالنَّصِّ الصَّحِيحِ فِي حُلْوَانِ الْكَاهِنِ، وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ، وَالْكَاهِنُ‏:‏ مَنْ يُخْبِرُ بِوَاسِطَةِ النَّجْمِ عَنْ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، بِخِلَافِ الْعَرَّافِ‏:‏ فَإِنَّهُ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ الْمُغَيَّبَاتِ الْوَاقِعَةِ كَعَيْنِ السَّارِقِ وَمَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَالضَّالَّةِ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَلَا يُغْتَرُّ بِجَهَالَةِ مَنْ يَتَعَاطَى الرَّمْلَ وَإِنْ نُسِبَ إلَى عِلْمٍ‏.‏ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ ‏{‏كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ‏}‏ فَمَعْنَاهُ مَنْ عَلِمْتُمْ مُوَافَقَتَهُ لَهُ فَلَا بَأْسَ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْمُوَافَقَةَ فَلَا يَجُوزُ لَنَا ذَلِكَ‏.‏ ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ اعْتَرَفَ شَخْصٌ بِقَتْلِهِ إنْسَانًا بِالْعَيْنِ فَلَا ضَمَانَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَقًّا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏{‏الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ‏}‏ لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا، وَيُسَنُّ لِلْعَائِنِ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمَعِينِ بِفَتْحِ الْمِيمِ بِالْمَأْثُورِ وَهُوَ اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَلَا تَضُرَّهُ، وَأَنْ يَقُولَ‏:‏ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَأَنْ يَغْسِلَ دَاخِلَ إزَارِهِ مِمَّا يَلِي الْجِلْدَ بِمَاءٍ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْمُقْرِي وَأَنْ يَغْسِلَ جِلْدَهُ مِمَّا يَلِي إزَارَهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى الْمَعِينِ، قِيلَ‏:‏ وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ مَنْعُ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَيَأْمُرُهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ وَيَرْزُقُهُ مَا يَكْفِيهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا، فَإِنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اسْتَكْثَرَ قَوْمَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَمَاتَ اللَّهُ مِنْهُمْ مِائَةَ أَلْفٍ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ شَكَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ‏:‏ إنَّكَ اسْتَكْثَرْتَهُمْ فَأَعَنْتَهُمْ، فَهَلَّا حَصَّنْتَهُمْ حِينَ اسْتَكْثَرْتَهُمْ، فَقَالَ‏:‏ يَا رَبِّ كَيْفَ أُحَصِّنُهُمْ‏؟‏ فَقَالَ تَعَالَى تَقُولُ‏:‏ حَصَّنْتُكُمْ بِالْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَبَدًا وَدَفَعْتُ عَنْكُمْ السُّوءُ بِأَلْفِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ‏.‏ قَالَ الْقَاضِي‏:‏ وَهَكَذَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ إذَا رَأَى عَيْنَهُ سَلِيمَةً وَأَحْوَالَهُ مُعْتَدِلَةً‏:‏ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَاضِي يُحَصِّنُ تَلَامِذَتَهُ بِذَلِكَ إذَا اسْتَكْثَرَهُمْ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّ الْعَيْنَ لَا تُؤَثِّرُ مِمَّنْ لَهُ نَفْسٌ شَرِيفَةٌ لِأَنَّهَا اسْتِعْظَامٌ لِلشَّيْءِ، وَمَا رَوَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ يَرُدُّ ذَلِكَ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَسَكَتُوا عَنْ الْقَتْلِ بِالْحَالِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ إذَا قَتَلَ بِهِ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ اخْتِيَارًا كَالسَّاحِرِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ‏.‏ قَالَ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ‏:‏ حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ أَنَّ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ فَكَذَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ‏:‏ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَمِتْهُ فَخَرَّ مَيِّتًا فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى زِيَادٍ، فَقَالَ‏:‏ قَتَلْتَ الرَّجُلَ، فَقَالَ‏:‏ لَا، وَلَكِنَّهَا دَعْوَةٌ وَافَقَتْ أَجَلًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَمْ تُقْبَلْ، وَبَعْدَهُ يُقْبَلُ وَكَذَا بِمَالٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَمْ تُقْبَلْ‏)‏ لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ كَانَ الْأَرْشُ لَهُ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ‏.‏ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ‏:‏ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَجْرُوحِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ تَرِكَتَهُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ نَفْعًا، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَصْرُونٍ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَرُبَّمَا يَبْرَأُ مِنْهُ‏.‏ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ فِيهِ وَقْفَةٌ وَتَقْوَى فِيمَا إذَا كَانَتْ الدُّيُونُ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا كَالزَّكَوَاتِ وَالْوُقُوفِ الْعَامَّةِ أَوْ كَانَتْ لِطِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ ا هـ‏.‏

وَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ مَوْجُودَةٌ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ مَالٍ لِمُوَرِّثِهِ مَخْفِيًّا‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَشَهَادَتُهُمْ بِتَزْكِيَةِ الشُّهُودِ كَشَهَادَتِهِمْ بِالْجَرْحِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَطْلَقَ الشَّيْخَانِ الْجُرْحَ وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ بِجُرْحٍ يُمْكِنُ أَنْ يُفْضِيَ إلَى الْهَلَاكِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ اعْتِبَارَ الْإِرْثِ حَالَةَ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَحْجُوبًا ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ يُقْبَلُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا بَطَلَتْ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا ‏(‏وَبَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الِانْدِمَالِ ‏(‏يُقْبَلُ‏)‏ جَزْمًا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْمُوَرِّثَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَاتِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا لِلْبَعْضِيَّةِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثِهِ ‏(‏بِمَالٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ‏)‏ تُقْبَلُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي لَا تُقْبَلُ كَالْجُرْحِ، وَفَرَّقَ الْفَارِقِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا بِالْمَالِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمَا نَفْعٌ حَالَ وُجُوبِهِ، لِأَنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ فِي مَلَاذِّهِ وَشَهَوَاتِهِ، وَإِذَا شَهِدَا لَهُ بِالْجِرَاحَةِ كَانَ النَّفْعُ حَالَ الْوُجُوبِ لَهُمَا لِأَنَّ الدِّيَةَ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ تَجِبْ، وَبَعْدَهُ تَجِبُ لَهُمَا، وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبُ الْمَوْتِ النَّاقِلِ لِلْحَقِّ، فَإِذَا شَهِدَ بِالْجُرْحِ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ بِالسَّبَبِ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ الْحَقُّ، وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ يَحْمِلُونَهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ‏)‏ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ‏(‏يَحْمِلُونَهُ‏)‏ وَقْتَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ الْغُرْمَ، فَإِنْ كَانُوا لَا يَحْمِلُونَهَا وَقْتَ الشَّهَادَة نُظِرَتْ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ فُقَرَاءِ الْعَاقِلَةِ فَالنَّصُّ رَدَّهَا أَيْضًا، أَوْ مِنْ أَبَادِعِهِمْ وَفِي الْأَقْرَبِينَ وَفَاءً بِالْوَاجِبِ فَالنَّصُّ قَبُولُهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَالْغِنَى غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ فَتَحَصَّلَ التُّهْمَةُ، وَمَوْتُ الْقَرِيبِ كَالْمُسْتَبْعَدِ فِي الِاعْتِقَادِ فَلَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ بِمِثْلِهِ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ قَتْلٍ يَحْمِلُونَهُ عَمَّا لَوْ شَهِدُوا بِفِسْقِ بَيِّنَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَبَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ فَإِنَّهَا مَقْبُولَةٌ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، إذْ لَا تَحَمُّلَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَالَ‏:‏ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ مَا تَحْمِلُهُ لِيَدْخُلَ مَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ بِقَتْلِهِ فَشَهِدَا عَلَى الْأَوَّلَيْنِ بِقَتْلِهِ فَإِنْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ الْأَوَّلَيْنِ حُكِمَ بِهِمَا، أَوْ الْآخَرَيْنِ أَوْ الْجَمِيعَ أَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ بَطَلَتَا، وَلَوْ أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِعَفْوِ بَعْضٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ السَّلَامَةُ مِنْ التَّكَاذُبِ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ بِقَتْلِهِ‏)‏ أَيْ شَخْصٍ ‏(‏فَشَهِدَا‏)‏ أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا مُبَادَرَةً ‏(‏عَلَى الْأَوَّلَيْنِ‏)‏ أَوْ غَيْرِهِمَا ‏(‏بِقَتْلِهِ فَإِنْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ الْأَوَّلَيْنِ حُكِمَ بِهِمَا‏)‏ لِسَلَامَةِ شَهَادَتِهِمَا عَنْ التُّهْمَةِ وَسَقَطَتْ شَهَادَةُ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ بِشَهَادَتِهِمَا عَنْ أَنْفُسِهِمَا الْقَتْلَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْأَوَّلَانِ، وَالدَّافِعُ مُتَّهَمٌ فِي شَهَادَتِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ إنَّمَا يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمَا إذَا صَدَّقَهُمَا الْوَلِيُّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ تَكْذِيبِهِمَا، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا بَعْدَ صُدُورِ الدَّعْوَى مَسْمُوعَةٌ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمَا الْوَلِيُّ لِأَنَّ دَعْوَاهُ الْقَتْلَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا، وَطَلَبَ الشَّهَادَةِ كَافٍ فِي جَوَازِ الْحُكْمِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ‏(‏أَوْ‏)‏ صَدَّقَ ‏(‏الْآخَرَيْنِ أَوْ‏)‏ صَدَّقَ ‏(‏الْجَمِيعَ أَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ بَطَلَتَا‏)‏ أَيْ الشَّهَادَتَانِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ‏.‏ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ فِي تَصْدِيقِ الْآخَرَيْنِ تَكْذِيبَ الْأَوَّلَيْنِ وَعَدَاوَةَ الْآخَرَيْنِ لَهُمَا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ فِي تَصْدِيقِ كُلِّ فَرِيقٍ تَكْذِيبًا لِلْآخَرِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَالْأَمْرُ فِيهَا ظَاهِرٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ اسْتَشْكَلَ تَصْوِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْقَتْلِ لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا بُدَّ فِي الدَّعْوَى مِنْ تَعْيِينِ الْقَاتِلِ فَكَيْفَ يَشْهَدَانِ ثُمَّ يُرَاجِعُ الْوَلِيُّ‏؟‏‏.‏ وَأُجِيبَ بِأَوْجُهٍ ذَكَرْتُهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ أَصَحُّهَا أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ عَلَى اثْنَيْنِ وَيَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ فَيُبَادِرُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا وَيَشْهَدَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا كَمَا مَرَّ بِأَنَّهُمَا الْقَاتِلَانِ وَذَلِكَ يُورِثُ رِيبَةً لِلْحَاكِمِ فَيُرَاجِعُ الْوَلِيَّ وَيَسْأَلُهُ احْتِيَاطًا، وَيَنْظُرُ هَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى الدَّعْوَى أَوْ يَعُودُ إلَى تَصْدِيقِ الْآخَرِينَ أَوْ الْجَمِيعِ أَوْ يُكَذِّبُ الْجَمِيعَ، وَهَلْ يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ الدَّعْوَى‏؟‏ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الْبُطْلَانِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي تَكْذِيبِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْجُمْهُورِ بَطَلَ حَقُّهُ ‏(‏وَلَوْ أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ‏)‏ وَلَوْ فَاسِقًا ‏(‏بِعَفْوِ بَعْضٍ‏)‏ مِنْهُمْ عَنْ الْقِصَاصِ، سَوَاءٌ عَيَّنَهُ أَمْ لَا ‏(‏سَقَطَ الْقِصَاصُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْهُمْ مِنْهُ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْبَاقِي، وَاحْتَرَزَ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ عَنْ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ‏:‏ بَلْ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَافِيَ فَلِلْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ الدِّيَةُ وَإِنْ عَيَّنَهُ فَأَنْكَرَ فَكَذَلِكَ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْفُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْعَفْوِ مَجَّانًا أَوْ مُطْلَقًا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الدِّيَةِ وَلِلْبَاقِينَ حِصَّتُهُمْ مِنْهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُشْتَرَطُ لِإِثْبَاتِ الْعَفْوِ مِنْ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَنْ الْقِصَاصِ لَا عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ شَاهِدَانِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا لَا يَثْبُتُ بِحُجَّةٍ نَاقِصَةٍ لَا يُحْكَمُ بِسُقُوطِهِ‏.‏ أَمَّا إثْبَاتُ الْعَفْوِ عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ فَيَثْبُتُ بِالْحُجَّةِ النَّاقِصَةِ أَيْضًا مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَيَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ فَكَذَا إسْقَاطُهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَقَرَّ مَا لَوْ شَهِدَ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَافِيَ فَكَالْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَعَيَّنَ الْعَافِيَ وَشَهِدَ بِأَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ جَمِيعًا بَعْدَ دَعْوَى الْجَانِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الدِّيَةِ وَيَحْلِفُ الْجَانِي مَعَ الشَّاهِدِ أَنَّ الْعَافِيَ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ لَا عَنْهَا وَعَنْ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ بِالْإِقْرَارِ فَيَسْقُطُ مِنْ الدِّيَةِ حِصَّةُ الْعَافِي، وَإِنْ شَهِدَ بِالْعَفْوِ عَنْ الدِّيَةِ فَقَطْ لَمْ يَسْقُطْ قِصَاصُ الشَّاهِدِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان أَوْ آلَةٍ أَوْ هَيْئَةٍ لَغَتْ، وَقِيلَ لَوْثٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ فِي زَمَانٍ‏)‏ لِلْقَتْلِ‏:‏ كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ فِي اللَّيْلِ، وَالْآخَرُ قَالَ فِي النَّهَارِ ‏(‏أَوْ مَكَانٍ‏)‏ لَهُ كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ قَتَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ‏.‏ وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلَهُ فِي الدَّارِ ‏(‏أَوْ آلَةٍ‏)‏ لَهُ‏:‏ كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِسَيْفٍ‏.‏ وَقَالَ الْآخَر قَتَلَهُ بِرُمْحٍ ‏(‏أَوْ هَيْئَةٍ‏)‏ لَهُ‏:‏ كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا حَزَّ رَقَبَتَهُ‏.‏ وَقَالَ الْآخَر‏:‏ شَقَّهُ نِصْفَيْنِ ‏(‏لَغَتْ‏)‏ شَهَادَتُهُمَا وَلَا لَوْثَ بِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ نَاقَضَ صَاحِبَهُ وَذِكْرُ الْهَيْئَةِ مَزِيدٌ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ هَذِهِ الشَّهَادَةُ ‏(‏لَوْثٌ‏)‏ فَيُقْسِمُ الْوَلِيُّ وَتَثْبُتُ الدِّيَةُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَصْلِ الْقَتْلِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الصِّفَةِ بِمَا يَكُونُ غَلَطًا أَوْ نِسْيَانًا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لِمَ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى الْأَوَّلِ مَعَ مَنْ وَافَقَهُ مِنْهُمَا أَوْ يَأْخُذُ الْبَدَلَ كَنَظِيرِهِ مِنْ السَّرِقَةِ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ بَابَ الْقَسَامَةِ أَمْرُهُ أَعْظَمُ، وَلِهَذَا غُلِّظَ فِيهِ بِتَكْرِيرِ الْأَيْمَانِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا إذَا شَهِدَ عَلَى الْفِعْلِ، فَلَوْ شَهِدَ عَلَى الْإِقْرَارِ لَمْ يَضُرَّ اخْتِلَافُهُمَا فِي الزَّمَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَلَا فِي مَكَانِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي الْقَتْلِ وَصِفَتِهِ، بَلْ فِي الْإِقْرَارِ، نَعَمْ إنْ عَيَّنَا يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمُسَافِرُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَر فِي الزَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَاهُ كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ بِمَكَّةَ يَوْمَ كَذَا، وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ بِمِصْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَتَلْغُو الشِّهَادَةُ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَلَوْثٌ تَثْبُتُ بِهِ الْقَسَامَةُ دُونَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْوَارِثُ قَتْلًا عَمْدًا أَقْسَمَ، وَإِنْ ادَّعَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ حَلَفَ مَعَ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ، فَإِنْ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْقَتْلِ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ مَعَ شَاهِدِ الْإِقْرَارِ فَعَلَى الْجَانِي، وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِإِقْرَارِهِ بِقَتْلٍ عَمْدٍ، وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِقَتْلٍ عَمْدٍ، وَالْآخَرُ بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ ثَبَتَ أَصْلُ الْقَتْلِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُقْبَلَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْكَارُهُ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ لِصِفَةِ الْقَتْلِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهُ جُعِلَ نَاكِلًا وَحَلَفَ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا وَاقْتَصَّ مِنْهُ، وَإِنْ بَيَّنَ فَقَالَ‏:‏ قَتَلْتُهُ عَمْدًا اقْتَصَّ مِنْهُ، أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ قَتْلَ خَطَإٍ فَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ عَلَى نَفْيِ الْعَمْدِيَّةِ إنْ كَذَّبَهُ، فَإِذَا حَلَفَ لَزِمَهُ دِيَةُ خَطَإٍ بِإِقْرَارِهِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاقْتَصَّ مِنْهُ، وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا وَآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْرًا أَقْسَمَ وَلِيَّاهُمَا لِحُصُولِ اللَّوْثِ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا‏.‏